الاستقبال / رآس الموقع  / دواوين شعرية/ ديوان في رحاب الله

فـي ظــل اللـه

 

     نظـمـت هذه الـقـصيدة في شهر غشت من سنة 1954 أي بعد مرور عام على إبعاد ملكنا المحبوب عن عرشه عندما ناءت نفسي بحمل همومها وأحزانها وألح عليها الشوق والحنين إلى الحبيب العظيم المنفي. وكان عبثا أن نشدت السلو والعزاء في مباهج الطبيعة التي طالما هدهدت آلامي وجلت كآبتي ولم ينفعني إيماني القوي بأن تلك الظروف العصيبة إنما كانت ظروفا استثنائية لا يسوغ استمرارها طويلاً. ولم أفلح في التخلص من تلك الحالة النفسية الخطيرة الـتي كادت تودي بمعنويتي إلا بالتوجه إلى الله في حرارة وإخلاص وهناك في ظل هذه القوة العظيمة الأزلية وجدت نفسي الضعيفة الخائرة ما كانت تنشده من سكينة 

واطمئنان وصفاء.

لَـدَى مَـنْـبَـعِ الـنُّــورِ مَـهْــدِ الـسَّـنَـــاءْ     زَهَــا الـفَـجْــرَ رَوْنَــقُــهُ وَالـسَّـمَــاءْ

وفِـي صَـفْـحَـــةِ الــنَّـهْــــرِ نَـاعِــمَـــةً     بِـلَـمْـسِ الـنَّسِـيـمِ وَرَقْـصِ الضِّـيَـــاءْ

وبَـيْـنَ الـخَـمَـــائِـــلِ أَطْــيَـــارُهـَــــــا     تُـطَــرِّبُــهَــــا بِــلَـــذِيـــذِ الـغِـــنَــــاءْ

وعِـنْـدَ الـمُــرُوجِ وَعِـطْــرِ الزُّهُــــورِ     وعِـنْــدَ الهِـضَــابِ وَسِـحْـرِ المَـسَـاءْ

ورَقْـصِ طُـيُــورٍ لِـعُــرْسِ ذُكَـــاءَ(1)     وحُــلَّـــةِ أُفْــــقٍ بَــدِيـــــعِ الـــــرُّوَاءْ

نَـشَـدْتُ لِـرُوحِي الـرِّضَـا وَالـصَّـفَـاءْ

 

دَلَـفْــتُ إِلَى الـبَحْــرِ وَقْــتَ المَـغِــيــبْ     وقَــدْ أَسْـكَـرَ البَحْـرَ وَصْــلُ الحَـبِيــبْ

وَذَابَــــتْ غَـــزَالَــتُـــهُ(2) رِقَّـــــــــةً     وسَــادَ حَـنَـــانٌ وصَـفْـــو غَــــرِيــــبْ

فَـأَغْــرَيْـتُ رُوحِــي بِـــأَنْ تَـــتَـــــرَشَّـــــــفَ فَـيْـضَ الصَّـفَاءِ الـشَّهِـيِّ الـقَرِيـبْ

وأَنْ تَــــدَعَ الـصَّــفْـــوَ يَـغْــمُـــرُهَــــا     ويُضْـفِـي عَلَـيْـهَا السُّـكُـونَ السَّلِـيــبْ

ولَــكِـــنَّ رُوحِــــيَ مَــا بَـــرِحَــــــــتْ     مُـغَــلَّــفَــــةً فِــي وُجُــــومٍ كَــئِـــيـــبْ

تُـحَـرِّقُـهَـــا  لَـفَـحَـاتُ  الـلَّـهِـــيــــــبْ

 

غَــدَوْتُ إِلَى السَّـفْـحِ أَرْعَـى الجَــبَــــلْ     كَـسَـتْـهُ الـثُّــلُـــوجُ بَـهِــيَّ الــحُــلَــلْ

وأَبْــدَتْــهُ كَـالْحُــبِّ عَــذْبَ الـصَّـفَـــــاءِ     خَـلُــوبَ الـبَـرِيـقِ كَـوَمْــضِ الْأَمَـــلْ

وكَــــالْـحَـــــقِّ يَـــسْـــطَـــــــعُ لَـأْلَــاؤُهُ     جَـرِيءَ الـوُثُـوبِ صَـرِيـحَ الـجَــــذَلْ

فَــمَــا ثَــلِـجَـتْ لِـمَـجَـالِـيـــهِ نَـفْـسِــــي     ولاَ اغْـتَـسَـلَـتْ مِـنْ رُكَـامِ الـوَحَــــلْ

ومَــا لَـمَـسَ الـصَّـفْــوُ أَشْـجَــانَــهَــــــا     ولاَ أَخْــمَـدَ الــقَـــرُّ تِـلْـكَ الـشُّعَـــــلْ

كَـأَنَّ عَـنِ الـرُّوحِ حِـسِّــي انْــفَـصَـــــلْ

 

ورُحْــتُ بِـقَـلْــبٍ صَـرِيـــعِ الـضَّجَــــــرْ     أُعَــلِّــلُــــهُ بِــطـُـلُــــوعِ الـــقَـــمَـــرْ

أُذَكِّـــــــرُهُ بِــجَــمِــيـــــلِ الــعُـــهُـــــودِ     وسَــالِــفِ أُنْــسِـهِــمَـــا بِـالـسَّـمَـــرْ

وفَـيْـضِـهِـمَـــا بِـالـصَّـفَـــاءِ الـبَـهِـيـــجِ     ورَقْـصِـهِـمَـا فِـي مِــيَـاهِ الــنَّـهَــــــرْ

وحُـلْـمِـهِـمَـــا عِـنْــدَ نَـبْــــعِ الـغَــدِيـــرِ     ولَـهْــوِهِـمَــا بِــظِـــلاَلِ الــشَّجَــــــرْ

يَـرِفَّــــــانِ بِـالْأُمْـــنِــيـــاتِ الْــعِـــــذَابِ     ولاَ يَـحْـفِــلاَنِ بِــدُنْـيَــا الـــبَــشَـــــرْ

كَـأَنْ  أَمِــنَــــا ضَـرَبَــــاتِ  الــقَـــــــدَرْ

 

ولَـمَّـــا جَــلاَ الـهـالَـــةَ الـنــاصِـعَــــــهْ     ومَــــدَّ أَشِــعَّــتَــــهُ الــسـاطِــعَـــــهْ

وأَضْـفَـى عَـلَى الـكَـوْنِ حُسْـنـاً وَدِيعــاً     ورُوحـاً مِـنَ الـفَـرْحَــةِ الـواسِـعَـــهْ

ولَــبَّــتْ نِـــدَاءَ الـجَـمَــالِ الـنُّــفُـــوسُ     ونَـاهَــزَتِ الـفِـتْـنَـةَ الـشـائِـعَــــــــهْ

فَـفِــي كُــلِّ نَــفْــسٍ سَـنــىً مُـشْــــرِقٌ     وفِـي كُـــلِّ قـَـلْــبٍ مُـنــىً رَائِــعَـــــهْ

تَـفَــقَّــدْتُ نَـفْـــسِـي فَــأَلْــفَــيْــتُــهَـــــا     تُــرَوِّعُــهَــا ظُــلْــمَـــةٌ قَــامِــعَــــــهْ

وَتَـنْـهَــبُـهَـا  حَــسْــــرَةٌ  لاَذِعـَـــــــــهْ

 

هُـنَـالِـكَ سَاأَلْــتُ رُوحِـي الـصَّــلُـــودْ     وقَـدْ هَالـَنِـي مِـنْهَـا فَـرْطُ الجُـمُـــــودْ

تُـرَى هَـلْ نَضِـبْـتِ وغَـــاضَ بِــقَــــفْـــــــرِكِ نَـبْـعُ الشُّعُـورِ الـشَّهِـيُّ الــوُرُودْ

وحَـطَّــتْ عَـلَـيْــكِ غَـيَــاهِــبُ لَـيْـــــلٍ     رَهِـيـبِ الـوُجُـومِ ثَـقِـيـلِ الـرُّكُــــــودْ

وقَـصَّـتْ جَـنَاحَـيْـكِ كَـفٌّ عَـسُــــــوفٌ     فَأَخْـلَـدْتِ وَلْـهَـى بِكَهْـفِ الــوُجُـــودْ

كَـفَــاكِ ... شَـقِـيـتِ بِـهَـــذَا الـظَّــــلاَمِ     بِـهَــذَا الـجَــفَــافِ بِـهَـذَا الـهُــمـُــودْ

فَأَيْنَ الضِّيَاءُ !! .. وَأَيْنَ النَّشِيدْ ؟ !!..

 

وبَـيْــنَ نَـشِـيــجٍ ورَجْـــفِ نَـحِــيـــــبْ     تَـنَهَّـدَتِ الـرُّوحُ أَيْـــنَ الـحَـبِـيـــبْ ؟

فَـأَيـْنَ الـذِي يَـسْـتَــفِــيضُ الصَّـفَــــاءُ     لِــبَسْــمَــتِــهِ وتَــزُولُ الـكُـــــرُوبْ ؟

فَـأَيْــنَ الـذِي طـالَـمَــا قَــدْ هَـفَــوْنَـــــا     إِلَـيْـهِ بِـقَــلْـبٍ جَـمُــوحِ الوَجِـيـــبْ ؟

وطِـــرْنَـــــا إِلَــيْـــهِ بِــأَجْـــنِــحَــــــــةٍ     مِــنَ الـشَّـوْقِ لاَ يَـعْـتَرِيهَا لُغُـــوبْ ؟

نَحِــنُّ إِلَــيْـــهِ ويَـحْـنُـــو عَــلَـيْــنَــــــا     ويَـأْسُـو الجِرَاحَ ويَجْـلُو الخُطُــوبْ ؟

فَـكَـيْـفَ العَـزَاءُ وأَمْسَى غَرِيـبْ ؟ !!..

 

تَـوَلَّــتْ عُـهُــودٌ وَجَــــاءَتْ عُــهُـــودْ     وَلاَتَ (3) زَمَانَ الرِّضَـا والسُّعُــــودْ

فَــلَـيْـسَـتْ حَـيَـاتُــكَ تِــلْـكَ الحـيــــــاةَ     ولَـيْـسَــتْ وُعُـودُكَ تِـلْـكَ الوُعُــــودْ

لَـقَــدْ أَظْـلَــمَ الـكَـــوْنُ فِي خـاطِـــــرِي     وشَــاهَــتْ مَـلاَمِــحُ هَـذَا الوُجُــــودْ

وأَصْـبَحْـتُ لاَ أَسْـتَـطِـيبُ الـنَّـعِــيــــــمَ     ولاَ أَتَـــــذَوَّقُ غَــيْـــرَ الــشُّــــــرُودْ

فَـيَـــا  رَحْـمَــةَ اللَّـــهِ إِنَّ حَـبِـيــبِــــي     تَـرَامَــتْــهُ أَيْــدِي الـفِـــــرَاقِ بَـعِـيــدْ

حَـنَـانَـكَ رَبَّاهُ ... هَـلاَّ  يَــعُـــودْ ؟ !!..

 

وَصَـلَّـتْ لِـبَـارِئِـهَــــا فِي ابْــتِـهـَــــــالْ     وقَــدْ غَـمَـرَتْـهَـا مَـعَـانِــي الجَــــلاَلْ

تَـــــرِفُّ وتَـسْــكُـــــنُ خــاشِــعَـــــــــةً     مُـــرَنَّـحَــةً مِــنْ سُـمُــوِّ الوِصَـــــالْ

تَسَـامَـى بِهَــا فَـوْقَ مَجْـرَى الـزَّمَـــانِ     وحَــرَّرَهَــا مِــنْ وِثَـــاقِ الرِّمَــــــالْ

وشَـــــاعَ الــضِّـيَــــــاءُ بِـآفَـــاقِــهَـــــا     وفَـاضَ الـشُّـعُـورُ بِـسِحْـرِ الجَمَــالْ

وَعَـــادَتْ وفِـــي وَعْــيِـهَـــا نَــشْــــوَةٌ     ورَوْحٌ عَــلِيٌّ عَــزِيــــزُ الــمَـنَـــــالْ

زَهَـاهَـا الـرِّضَـا واسْـتَـبَـاهـَا الـكَـمَــالْ

 

ونَــادَتْـنِـيَ الـرُّوحُ إِثْـــــرَ الـصَّــــلاَهْ :    "شَقَـاؤُكَ -صَاحِ- بَـلَــغْــتَ مَــــدَاهْ"

"سَـمَــوْتَ إِلَى حَـيْــثُ لاَ تَـرْتَــقِــــــي     هـُـمُــومٌ ولاَ يَـتَــعـَـالَــى طُــغَـــــاهْ"

"لَـئِـنْ دَهَـمَـتْـكَ الخُطُـوبُ العِــظَـــــامُ     فَـلاَ تَـسْــلُــكَـنَّ سَـبِـيـلَ العُـنَـاهْ"(4)

"ولاَ يُـظْــلِـمَـــنَّ فُـــــؤَادُكَ حُـــزْنـــــاً     فَـمَـا فِـي الـظَّـلاَمِ سَـبِـيـلُ الـنَّـجَــاهْ"

"ولَـكِـنْ تَـسَـلَّــحْ لِـدَفْــــعِ العَــــــوَادِي     ولَـيْــسَ سِـلَاحُــكَ غَـيْــرَ الصَّــلاَهْ"

"وَطَـأْ هَـامَـةَ الخَـطْـبِ مُـبْــتَـسِــمـــــاً     وخُـضْ بِي غِـمَـارَ مَـآسِي الحَـيَـاهْ"

وَجَــــدْتُ  الـصَّــفَـــاءَ  بِـظِــلِّ  الإِلَـــهْ.‏

الشرح :

(1) و(2) "ذكاء" و"الغزالة" اسمان من أسماء الشمس.

(3) وَلاَتَ : اختزال لعبارة « ليست الساعة ساعة » قال الله تعالى : «... وَلاَتَ  حينَ مَنَاص » الآية 38 من سورة (ص) يحدث فيها عن الكافرين يوم القيامة، إذ لا يمكنهم ساعتئذ المناص : أي الهروب والنجاة من العقاب. وأعني بـ « لاتَ زمان الرضا » أي « ليس الزمان زمان الرضا».

(4) العناة : جمع عانٍ وهو اسم الفاعل من عَنَا يَعْنُو عُنُوّاً : خَضَعَ وَذَلَّ.

 

 

 

 من نحن ؟

 مؤلفات

 اللغة العربية

 أخطاء لغوية شائعة

 التعريب

 الاصطلاح

 دواوين شعرية

 المعجم الفريد

 كتب مترجمة

 بحوث لغوية وتعريبية

 الدين

 المكتبة الالكترونية

 أبناك المصطلحات

  رابطة الفصحى

  منتدى الفصحى

  مواقع مختارة

  السجل الذهبي

صفحة الاستقبال |  بأقلامكم | خدمات عامة | استطلاع | المراسلة | البحث

آخر إصدار لهذه الصفحة كان بتاريخ :

أنشأ هذا الموقع وأخرجه الدكتور أمل العلمي ـ الإصدار الأول 1.0