يقول
الأستاذ
إلياس قنصل (من
عاصمة
الأرجنتين)
في بحث نشرته
مجلة "
اللسان
العربي " في
عددها
العاشر
الصادر في
سنة 1973
:
»
كل
سلاح وصل إلى
يد
الاستعمار
استعمله
محاولا
القضاء على
القومية
العربية.
أنزل
الاستعمار
على المدن
العربية
قنابله،
ووجه إلى
صدور
أبنائها
رصاصه،
وأعدم،
وخَرَّب،
وشَرَّد،
واعتقل، ما
شاءت له
مطامعه... وصوب
الاستعمار
حِرَابَه
إلى سائر
مُقَوِّمات
الأمة
العربية
:
-
إلى
أخلاقها،
يريد أن ينفذ
بالفجور إلى
مناعتها
فينهار
تماسكها.
- إلى
تاريخها،
يريد أن
يُشَوِّهَ
مَعَالِمَهُ
الواضحة
العالية
ليزيل
الاتصال بين
الماضي
والحاضر.
- إلى
نشئها، يبغي
أن يبث فيه من
الانفلات ما
يَذْهَبُ
بشخصيته
المأمولة.
-
إلى
اقتصادها،
يرمي إلى
وقفه عند حد
محدود، فلا
يتفاعل مع
إمكانات
النشاط.
- إلى
كل شيء.
وقد
كان للغة
العربية
نصيب وافر من
تلك الحراب
المُصَوَّبة
التي تقطر
بالسُّمِّ
الزُّعَاف.
طلعت
الدعوات
العديدة
التي تشير
إلى وجوب
البحث في
تطوير
اللغة، ولم
يكن القصد لا
التطوير ولا
ما يشبه ذلك
من بعيد أو
قريب.
كان
القصد إيجاد
البلبلة في
أجزاء الأمة
التي تتكلم
هذه اللغة،
وإحداث شكل
من أشكال
الفوضى، قد
يمتد إلى
عوامل لها
علاقة وثيقة
باللغة.
كان
القصد منها -
إلى ذلك - شغل
فئة من حملة
الأقلام
بالأخذ
والرد،
والمحاككات،
والمناقشة
البيزنطية،
وصرفهم عن
إذكاء نيران
الحماسة في
النفوس
لمحاربة
الاستعمار.
لا
نقول إن جميع
الدعوات
التي تعالت
مطالبة
بالإصلاح
كانت من
إيحاء
الاستعمار،
فقد تنزه
بعضها عن
ذلك، ولكننا
نقول إن
معظمها كان
مدفوعا من
الأخطبوط
المذكور.
«
والذي يراجع
تاريخ هذه
الدعوات يجد
ظاهرة من
أغرب
الظواهر، لا
يمكن أن تكون
من عمل
الصُّدَف
كانت هذه
الدعوات
تُطِلُّ
برؤوسها
عندما يشتد
ضغط الشعب
مطالبا
بالحقوق
المغصوبة.
«
إن هذه
الدعوات لم
تكن تظهر
أبدا في
فترات
السكون
السياسي وهي
الفترات
التي كانت
حَرِيَّةً
بأن تظهر
أثناءها..
«
«
قال هؤلاء
فيما قالوا : «
إِنَّ اللغة
العربية فوق
مستوى
الجمهور،
وإِنها وقف
على طبقة من
الأمة، وإِن
هذا عيب من
عيوبها،
تلافيه أن
تكتب بلغة
الشعب :
بالعامية...
ولو
تَمَّ لهم ما
أرادوا
لَقُضِيَ
القضاءَ
المُبْرَمَ
على واسطة
التفاهم بين
الأقطار
التي تَضُمُّها
الفكرة
العربية.
«
لقد رأى
هؤلاء أن
اللغة
العربية - في
حالتها
الحاضرة -
تجمع السوري
إلى
المراكشي،
كما تجمع
المصري إلى
الكويتي،
كما تجمع
العراقي إلى
اللبناني
حتى لا
يكون بين
المجتمعين
أي فارق،
مهما كان،
فكان المقيم
في أقصى
القارة
الأسيوية
كالمقيم في
أدنى القارة
الافريقية.
«
رأى هؤلاء
المطالبون "بإصلاح"
اللغة ذلك،
فَهَالَهُمُ
الأمرُ الذي
يكاد يكون
منقطع النظير
في أدوات
التفاهم،
فعمدوا إلى
تفكيك هذه
الوحدة،
وبرزوا
بالنغمة
النَّشَاز :
تحويل اللغة
الفصحى إلى
العامية، أي
وضع حدود أو
شيء كالحدود
بين اللهجات
المختلفة،
بحيث
يصعب
التفاهم بين
قطر وقطر،
وإن لم يصعب
فلا أقل من أن
يكون ثقيلا.
ولو كانت نية
هؤلاء ما
قالوه،
لدعوا إلى
رفع
العامية، من
مستواها إلى
المستوى
الذي تقترب
فيه من
الفصحى، كما
يفعل الزمن
دون أن
يشعروا،
فالإصلاح
الحقيقي هو
أن تتجه إلى
الكمال لا أن
تنحدر إلى
الناقص، ومن
البديهي
الذي لا
يُكَابَرُ
فيه أن
الفصحى هي
رمز الكمال،
لا العامية.
«
وقال هؤلاء
فيما قالوا :
إن اللغة
العربية ذات
صرف معقَّد،
ونحو غامض،
وإن الأفكار
تنصرف عنها
لهذه
الأسباب
التي يستطاع
إزالتها
بمحو جميع
العقد منها،
وملاشاة
الغموض، أي
بترك الحبل
على الغارب
لمن يشاء،
ويتحوَّل
الإعراب
فيها من
قضايا
منطقية، ذات
قواعد، إلى
مجموعة من
عناصر
التشويش
التي لا
يضبطها
منطق، ولا
تنظم في
قاعدة،
وينسى
هؤلاء، أو
يتناسون، أن
جميع لغات
الدنيا التي
تتداولها
المحافل
المحترفة لا
تخلو من
قواعد،
وقياسات،
وأنظمة، وما
إليها.
«
وقالوا فيما
قالوا : إن
الأحرف
العربية، في
هندستها
الراهنة،
ليست أحرفا
تماشي
الحضارة
التي بلغتها
الدنيا،
وإِن الواجب
يقضي باتخاذ
حروف فرنجية
بدلا منها،
أي حروف لا
هي
بالفرنجية
ولا
بالعربية.
«
وما يرمون
إليه من هذا
الاقتراح
واضح : إنهم
يرمون إلى
وضع حاجز بين
الجيل
الحاضر
والتراث
العربي
القديم
الخالد،
إنهم يرمون
إلى القضاء
دفعة واحدة
على ثمرات
الفكر
العربي في
الأجيال
الماضية.
«
وقالوا فيما
قالوا أشياء
كثيرة لا
تخرج عن هذا
النطاق،
ولكنها
مفضوحة
النيات،
مكشوفة
المعاقل...».
ويقول
الدكتور
شكري فيصل : «
إن المرء لا
يختار
لُغَتَهُ،
لأنها قدره
المتصل
بوجوده
ومصيره. ومن
اتخذ لغة غير
لغته الأصل،
في التعليم،
أو المعاش،
كان كمن تنكر
لوالديه، أو
جحد فضلهما
عليه، أو حط
من قدرهما.
وحسب اللغة
قيمة، ورفعة
أن تكون من
مقوِّمات
القومية،
ومدعاة
الانتماء
إلى الأمة،
وطابع
الحضارة
وسِمَة
الثقافة...
«
وفي ضوء هذه
الحقيقة
ندرك تماما
مسلك
الاستعمار،
في مشرق
الوطن
العربي
ومغربه، إذ
بذل جهودا
مستميتة
لإضعاف
اللغة
العربية،
وتضييق مدى
انتشارها :
حاول أن يطرد
اللغة
العربية من
الحياة
العامة، وأن
يجعلها
ترتبط في
أذهان الناس
بالتخلف
الاجتماعي،
وأن يفتت
وحدة اللغة
العربية،
بلفت النظر
إلى
اللهجات،
واعتبارها
بمنزلة
تضاهي منزلة
الفصحى، وأن
ينفر الناس
من لغتهم،
باتهامها
بالجمود،
والقصور،
والعسر، وأن
يضعف أثرها
الاجتماعي،
بجعل اللغة
الأجنبية
سبيل الحصول
على الرزق،
والمكانة
الاجتماعية.
«
واختلفت
السبل التي
سلكها
الاستعمار،
فتراوحت
أساليبه بين
المحاولات
الاستيعابية
الكاملة
للشعوب
المستعمرة،
في لغتها
وثقافتها،
كما هي الحال
في
الاستعمار
اللاتيني،
وبين
المحاولة
التهميشية
للغات،
والثقافات
المحلية،
وتسييد لغة
المستعمر،
وثقافته،
في مجالات
الحياة
العامة، وفي
السياسة،
والإدارة،
والاقتصاد،
والثقافة،
والعلوم،
والتكنولوجيا،
ويتمثل ذلك
بالاستعمار
البريطاني.
«
كل ذلك كان له
أثر في
البلدان
العربية،
التي عانت
وطأة
الاستعمار،
وقام من يشكك
في كفاءة
اللغة
العربية،
مأخوذا
بالتضليل.
وعلى الرغم
من انقضاء
عشرات
السنين على
جلاء
المستعمر،
والحصول على
الاستقلال،
ما زال أثر
هذا الضلال
ساريا.».
ونضيف
- نحن - إلى ما
قاله
الكاتبان
الفاضلان
إلياس قنصل
وشكري فيصل
أن المستعمر
وجد، أولا
وآخرا، من
يتعاون معه
على محاربة
اللغة
العربية،
كما وجد
متعاونين
معه، في مجال
السياسة على
تركيز قدمه،
وتشديد
قبضته على
مقاليد
بلادهم،
وطمس مقومات
قوميتهم.
فنشأ عن ذلك
رهط تشبعت
عقليتهم
بمفاهيم هذه
السياسة،
فاصطبغت
حياتهم كلها
بصبغة قومية
المستعمر.
فهم
يتشبثون
بكل مظاهر
العجمة في
لغتهم،
وعوائدهم،
وفي نمط
حياتهم،
وماهية
عقائدهم.
فهؤلاء
النفر
أطلقنا
عليهم إسم
المستعجمين
وأطلقنا على
عملهم
ومآلهم
واتجاه
أفكارهم إسم
"الاستعجام" على غرار "الاستشراق "
و"الاستعراب"
و"المستشرقين" و"المستعربين".
دسيسة
لغوية خطيرة
هال أعداء
الأمة
العربية
استحكام هذه
العروة
الوثقى (رابطة
الفصحى) التي
تجمع -على
الأقل في
خطاب
التفاهم - بين
أبناء
العروبة
الآهلة بهم
تلكم الرقعة
الشاسعة
الممتدة من
آسيا إلى
إفريقيا في
وحدة لغوية
فصيحة لا لبس
فيها ولا
إبهام ولا
غموض الشيء
الذي أصبحت
دول أوربا
الموحدة في
سوق مشتركة
وعملة واحدة
تحسدها عليه
وتسعى جادّة
إلى إيجاد
لغة واحدة
مشتركة فيما
بينها
لتستكمل
وحدتها.
هالهم
ذلك، هم
الذين إلى
الأمس
القريب
كانوا
يستعمرون
البلاد
العربية
بجيوشهم
وحكامهم
ويمزقون
أراضيها ولم
يألوا جهداً
في التفرقة
بين أبنائها
وتقسيمها
إلى أقطار
وأقاليم
ودويلات
وإمارات
وحرصوا على
تحريض
أهاليها على
الاقتتال
فيما بينهم
من أجل
التمسك بكل
شبر مما
رسموه لهم من
حدود الجوار
فيما بينهم.
لقد مكروا
كل فنون
المكر من أجل
القضاء على
هذه اللغة
الجامعة،
التي هي كل ما
بقي من
مقومات
القومية
العربية،
كما بيّنا
ذلك بتفصيل
في كتابنا "في
اللغة".
ثُمَّ
عدلوا عن تلك
الأساليب
الماكرة بعد
مَا افتضحت
غاياتهم
منها ويئسوا
من حمل أبناء
العروبة على
تبني خططهم
والسير على
نهجها.
بيد
أنهم لم
يتخلوا عن
الدّسّ لكن
هذه المرة
بأسلوب غير
مفضوح،
بأسلوب خفي
كل الخفاء،
لا يكاد يفطن
له إلا
المتخصصون
في اللغة
والغيورون
عليها
والمترصدون
لدسهم
ومكرهم.
وهذه
الحرب التي
شنوها على
لغة عدنان
لها ثلاث
واجهات حتى
الآن حسب
ملاحظتنا :
1)اللحن
(غير المنهجي :
(
ومن
بين تلك
الأخطاء
نذكر
مثالاً
واحداً
شاهداً على
أن معظم ما
نعانيه من
اللحن هو
وليد خطة
مُبَـيَّـتـة،
مدروسة،
هادفة -في
مرحلة أولى-
إلى تحريف
مفردات لغة
الضاد من أجل
خلق بلبلة
واضطراب
ينتهيان
بالقضاء على
لغة العروبة
بصفتها لغة
فصيحة واضحة
مفهومة كل
الفهم من
العرب وغير
العرب
مِمَّنْ
يحسنونها.
لقد
مكثت أسمع من
إذاعة
المملكة
المغربية
طوال ما يزيد
على خمسين
سنة
الاستعمال
الصحيح للفظ
"تَجْرِبَة"
ولفظ "تَجَارِب"
(بكسر الراء
فيهما)
وفوجئت في
السنوات
الأخيرة من
المحطات
الفضائية
العربية
بسماع لفظ "تجرُبة"
و"تجارُب" (بضم
الراء
فيهما)
فما الذي حمل
أولئك
المحررين
والمذيعين
على العدول
عن الصواب
إلى الخطإ (بينما
يقتضي
المنطق
العدول عن
الخطإ إلى
الصواب) لولا
وجود
دسّاسين
ماكرين من
وراء اللحن
يَعيثُونَ
فساداً في
لغة العروبة
ولغة القرآن.
وما الذي
حملهم عن
العدول عن
استعمال "مديرين"
(جمعا لـ"مدير")
إلى استعمال
"مُدَراء" (الذي
لا يعني لغةً
معنىً مما
تدل عليه
الإدارة بل
يعني فيما
يعنيه "المتغوّطين
في ثيابهم".
ولا
نزعم أن كل
اللحن هو
وليد الدس
فمن اللحن ما
هو آت من
القصور في
معرفة اللغة.
ولكن مهما
كان مصدر
اللحن فمن
الواجب أن
يتصدى
لعلاجه كل
غيور على
اللغة.
2)اللحن
المنهجي
:
إلى
جانب ما
ذكرناه من
اللحن هناك
لحن منهجي
ونعني به
اللحن الذي
اتبع فيه
الدساسون "قاعدة"
معيّنة مثل
بناء الفعل
الماضي على
صيغة "فَعِلَ"
بكسر العين
في جميع
الأفعال
مهما كان
بناؤها
الأصلي سواء
"فَعَلَ" أو
"فَعُلَ" أو
"فَعِلَ".
وهكذا
بدأنا
نَسْمَعُ "حَرِصَ"
بدلاً من "حَرَصَ"
و"شَغِلَ"
بدلاً من "شَغَلَ"
وحتى "عَرِفَ"
بدلاً من "عَرَفَ"
والقائمة
طويلة.
3)لحن
المسخ
:
ولحن
المسخ هو
ثالثة
الأثافي ولم
يتجرأ عليه
الدساسون
حتى
تَـبَـيَّـنَ
لهم انصياع
المحررين
والمذيعين
في المحطات
الإعلامية
الفضائية
منها وغير
الفضائية
انصياعا
تاما لما
وضعوه من
اللحن
المدسوس.
ولفظ
"المسخ"
مستعمل هنا
لا بالمعنى
المجازي بل
بمعناه
الحقيقي
الذي يعني
حسب "المعجم
الوسيط"
الذي أصدره
مجمع اللغة
العربية
بالقاهرة : "مَسَخَهُ
يَمْسَخُهُ
مَسْخاً :
حوّل صورته
إلى أخرى
أقبح".
فلقد
شاع شيوع
النار في
التبن على
لسان
المذيعين في
المحطات
الفضائية
العربية
العبارة "طالَهُمُ
القصف" "يَطالُهُمُ
القصف"
بمعنى "شَمَلَهُمُ
القصف" "يشمَلُهم"
أو بمعنى
أصابهم
القصف، و"يصيبهم
القصف"
وأحياناً "طاولهم
القصف".
ولنبادر
إلى القول
بأن ذلك "الفعل
المضارع"
المصطنع لا
وجود له في
اللغة بتاتا
لا لفظا ولا
معنىً.
والمسخ يكمن
في الفعل
الماضي "طالَهُ"
(المتعدي).
ففعل "طالَ
يَطُولُ" (اللازم)
معناه حسب
معجم (لسان
العرب) لابن
منظور : "طالَ
يطول طُولاً :
فهو طويل"
وفي "طالَ" (المتعدي)
أورد نفس
المعجم : "طال
فلانٌ فلانا :
أي فاقه في
الطول... وفي
الحديث أن
النبي صلى
الله عليه
وسلم ما
مَشَى مع
طِوَالٍ
إلاّ
طالَهُم".
وفي
المعجم
الوسيط :
"طَالَ
فلانا غلبه
في الطُولِ
أو في
الطَّوْل".
وفيه : "الطَّوْل
: الفضل
والغنى
واليسر".
وفي (لسان
العرب) : "...
ومنه الحديث :
قال لأزواجه
أَوَّلُكُنَّ
لحوقاً بِي
أَطْوَلُكُنَّ
يداً"
فاجْتَمَعْنَ
يَتَطَاوَلْن
فَطَالَتْهُنَّ
سَوْدة،
فماتت زينب
أوَّلَهُنَّ
؛ أراد :
أَمَدُّكُنَّ
يداً
بالعطاء من
الطَّوْلِ
فظننته من
الطُّول،
وكانت زينب
تعمل بيدها
وتَتَصَدَّق".
وفيما
يخص "طَاوَلَ"
أورد (المعجم
الوسيط) ما
يلي : "طاوَلَ
في الشيء :
طَوَّل،
وطاوَلَ
فلاناً في
الطُول أو في
الطَّوْلِ :
غالبه
وباراه
وطاول فلانا
في الدَّين
ونحوه : ماطله".
فمن
هذا يتضح أن "طالهم"
بمعنى "شملهم"
أو "أصابهم"
لفظ غريب
دخيل على لغة
عدنان
وينبغي أن
يكون مرفوضا
من أبناء
العروبة.
ومما
يدل على أن
هذا المسخ
للغة الضاد
يدخل في خطة
مدروسة
دراسة ماكرة
شاملة ما
فاجأتني به
حفيداتي
وَهُنَّ
طالبات في
الجامعة من
استعمال
المفردة "الوَعْرُ"
لا بمعنى "الصعب"
أو ضدّ "السهل"
بل بمعنى "الرائع"
و"البديع" و"الحسن
جدّاً"
جازمات بأن
المفردة "الوعر"
لا
يَستعملها
سائر الطلبة
إلا بهذا
المعنى
الأخير ولا
يفهمون
استعمالها
بمعناها
اللغوي
الحقيقي.
إن
هذا التلاعب
باللغة بلغ
من الخطورة
درجة لا تسمح
أن يقابل
بالصمت
فأحرى
بالقبول
والانصياع.
إنها
حرب على لغة
القرآن من
المفروض أن
يكون في
طليعة
جنودها
المدافعين
عليها علماء
اللغة وسائر
المثقفين
وإن
تَوَانَوْا
عند ربهم
يُسْـأَلُـون.
الـتـلـتـيـن
المرحوم
الأستاذ
علال الفاسي
يقول : « كان
المستعمرون
يبثون في
أذهان
النخبة من
رجالنا،
وطلبتنا، أن
الفرنسية -
مثلا -
ضرورية، ولا
يمكن
الاستغناء
عنها، لأن
العربية لا
تتسع لدراسة
العلوم،
وللتعبير عن
الأفكار،
وليس لها ما
للفرنسية من
المرونة،
ومن القدرة
على الأداء،
ولكثرة ما
قيل هذا
الكلام
وكرر،
ولكثرة ما
حيل بين
المثقفين من
إخواننا
وبين لغتهم
الأصلية،
ولكثرة ما
فسر لهم
الجهل الذي
يشعرون به
للعربية
بنقص في
اللغة
نفسها،
أصبحت فئة من
النخبة
المغربية،
التي تحمل
شهادات
عليا، تومن
بتلك
الأغلوطة
المندسة،
حتى كتب
الشرايبي في
كتاب له
بالفرنسية
أن العربية
لا يمكن أن
تكون لغة
المخاطبة
للمغاربة،
لأنهم لا
يفهمون
العامية
فأحرى
الفصحى التي
تضيق عن
التعبير عن
الأفكار
والمقاصد،
وهذا ما جعل
قسما من
المعلمين
يناقشوننا
في أيام
دعوتنا
الأولى
للتعريب،
بعد
الاستقلال،
بعجز
العربية عن
أداء المهمة
التي تقوم
بها
الفرنسية.
»
وقد
زاد
المستعمرون،
بعد
الاستقلال،
دعاية
أخرى، وهي
تخويف
المعلمين
المغاربة
الذين
يعلمون
الفرنسية في
المدارس
المغربية من
ضياع
مستقبلهم،
فيما لو
أصبحت
العربية لغة
التعليم في
جميع مواد
الدراسة
المغربية،
وهو وإن كان
تخويفا في
غير محله،
فإنه قد أثر
في بعض
إخواننا
الذين لم
يتأخروا عن
مجادلتنا
بهذه الحجة
في كثير من
المناسبات،
أذكر منها
مناسبة
المحاضرة
التي
ألقيتها
بنادي الأمل
في الدار
البيضاء
منذ بضعة
أعوام.
»
على
أن المستعمر
لم يقف عمله
لهدم
العربية عند
فرنسة
التعليم،
والإدارة،
ووسائل
النشاط
العام، وعند
الدعايات
المختلفة،
والتي تلبس
لكل ساعة
لبوسها،
ولكنه تجاوز
ذلك إلى
محاولته
الإجرامية
لخلق مجتمع
بعيد عن
العربية وعن
الإسلام،
وذلك حينما
وضع خطوط
السياسة
البربرية
التي تبلورت
في الظهير
البربري
المؤرخ بـ 16
ماي 1930 والقرارات
والمنشورات
التي أعقبت
تنفيذه ».
وتأييدا
لما قاله
الزعيم
المرحوم
علال الفاسي
نقول : لقد بلغ
الاستعجام
ببعض
المثقفين من
العرب إلى حد
أن يدعوا إلى
نبذ الحروف
العربية،
وإحلال
الحروف
اللاتينية
محلها، على
غرار ما فعل
كمال
أتاتورك
باللغة
التركية. وقد
شغلت هذه
المسألة بال
نخبة من رجال
الفكر في
المشرق مدة
طويلة، حتى
أن
جريدة
عربية من
لبنان كانت
تصدر بحروف
لاتينية،
وتخصص كل
موادها
للدعوة إلى
تلتين
الكتابة
العربية.
وكانت وراء
هذه الصحيفة
سفارة
أجنبية
تمولها
وتنفق عليها
بسخاء كبير
وتعمل على
توسيع دائرة
رواجها ولم
تكفّ هذه
الدعوة
الاستعجامية
إلا بعد ما
افتضح أمرها
وعرف كل
الناس اليد
الأجنبية
التي تحركها.
يقول
الأستاذ
إحسان محمد
جعفر من
سوريا :
»
إذا
ما ذكرت "
الكتابة
بالحروف
اللاتينية "
فإن الخاطر
يقفز إلى
المستشرقين
الذين
ارتبطت
بهم الدعوة
إليها. وأول
مستشرق أخضع
الألفاظ
العربية
للحروف
اللاتينية
(بطريس دي
القلعش) الذي
طبع في
غرناطة سنة 1505
أول كتاب
عربي، وقد
عمد فيه
إلى كتابة
العبارات
العربية
بالحروف
اللاتينية
مقلدا الحرف
"ع" بـ " a
" والحرف " خ "
بـ "h "
و" ث " بـ " c ".
وقد
تزعم الحركة
الرامية إلى
كتابة
العامية،
وبالحرف
اللاتيني،
المستشرقون
الفرنسيون،
وعلى رأسهم (لويس
ماسينيون) (1883 -1962)
الموظف في
قسم الشؤون
الشرقية،
في وزارة
الخارجية
الفرنسية.
لقد حاول أن
يبث دعوته
هذه في
المغرب،
ومصر،
وسورية،
ولبنان خاصة.
ومن
المستشرقين
الانكليز
الذين دعوا
إلى لاتينية
الحرف (مارغليوث)
وقد بذل
مجهودا
كبيرا وقام
برحلات
عديدة إلى
القاهرة،
والقدس،
ودمشق،
وطهران،
مبعوثا من
وزارة
المستعمرات
الانكليزية،
لإقناع
المسؤولين
باقتباس
الحرف
اللاتيني.
وكان يأمل أن
يقوم شاه
إيران، إسوة
بأتاتورك،
بكتابة
اللغة
الفارسية
بالحروف
اللاتينية،
غير أن مسعاه
في ذلك خاب.
وينقل
سعيد
الأفغاني في
كتابه (من
حاضر اللغة
العربية)
جانبا من
نشاط
(مارغليوث)
بهذا الصدد،
ويذكر أنه
حاول إقناع
محمد كرد علي
رئيس المجمع
العلمي
العربي
بدمشق،
بتبني
موقفه، إلا
أن كرد علي
رفض ذلك
بإصرار.
»
وبدأت
الدعوة إلى
اصطناع
الحرف
اللاتيني
تتسلل إلى
مصر إبان
أزمتها
بالتدخل
الأجنبي في
عهد
إسماعيل،
عندما هبط
مصر بعض
الأوربيين
من
مستشرقين،
وغير
مستشرقين،
إذ اقترحوا
إحلال
العامية محل
الفصحى،
وكتابتها
بالحروف
اللاتينية،
بدعوى توحيد
الكتابة في
جميع أنحاء
العالم. فلم
يصادفوا إلا
الإعراض
والخيبة في
مسعاهم.
وممن كتب في
ذلك (الدكتور
ولهلم سبيتا)
الذي نشر سنة
1880، عندما كان
مديرا لدار
الكتب
الوطنية
المصرية،
كتابا
باللغة
الألمانية
في (قواعد
العربية
العامية) دعا
فيه إلى
العامية على
أن تكتب
بحروف
لاتينية
ومنهم أيضا
المهندس
الانكليزي (وليم
ويلكوكس) الذي خطب
وحشد
الأعوان
والصحافة
المأجورة
وقد أشار
إليه حافظ
إبراهيم (رحمه
الله) في
قصيدته
المشهورة
على لسان
اللغة
العربية :
" أيطربكم
من جانب
الغرب ناعب
يـنـادي
بـوأدي فــي
ربـيـع
حياتي
"
«
وظلت هذه
الصيحات
تتعالى حتى
أواخر سنة 1943
إذ هب عبد
العزيز فهمي
القاضي
الكبير
وعضو مجمع
اللغة
العربية
بالقاهرة
يدعو إلى
التلتين،
فألف لذلك
كتابا أسماه (الحروف
اللاتينية
لكتابة
العربية)
نشره سنة 1944،
واتخذ من
مجمع اللغة
العربية
مركزا لفتنته.
وقام يجبه
بقوة كل من
يرد عليه،
محتميا وراء
إجلال أعضاء
المجمع له،
واستمر
الجدل شاغلا
المجمع عن
أعماله ثلاث
سنين،
وانتهى برفض
الدعوة.
«
وقد انبرى
كثيرون للرد
على عبد
العزيز فهمي
منهم عبد
العزيز
البشري وعبد
الوهاب
عزام. وممن رد
عليه في تونس
العابد
المزالي ورد
عليه في
سورية
الدكتور
أسعد طلس ورد
عليه في
فلسطين
الشاعرالكبير
إسعاف محمد
النشاشيبي.
«
غير أنه وجد
في مصر من يرى
أنه لا سبيل
للنهوض من
تعثرنا
الحضاري إلا
إذا كتبنا من
اليسار إلى
اليمين كما
يكتبون،
وارتدينا من
الثياب ما
يرتدون
وأكلنا كما
يأكلون،
لنفكر كما
يفكرون
وننظر إلى
الدنيا
مِثْلَمَا
ينظرون.»
يقول
الأستاذ
علال الفاسي
عن تلتين
الكتابة
العربية «...
ذلك ما دعا
إليه
المبشرون،
والمستشرقون،
وبعض ذوي
النيات
الحسنة، من
العرب الذين
لم يتسع أفق
تفكيرهم
للبحث عن
تحسين
الكتابة
العربية،
بنفس الروح
التي خلق بها
أسلافنا هذه
الحروف، ثم
نقطوها، ثم
شكلوها،
وسهلوا إلى
حد ما طريقة
استعمالها.
«
وقد دعا عبد
العزيز فهمي
إلى لاتينية
الكتابة
العربية
جهرا في
أروقة مجمع
اللغة
العربية
بالقاهرة
ولكن
الأغلبية
الساحقة من
العرب رفضوا
النظر في هذا
الاقتراح
مقتنعين « بأن
تطبيقه
سيضيع روح
اللغة
العربية،
ويفوِّت على
العرب
الاستفادة
من تراثهم
الضخم الذي
تمتلئ به
رفوف
الخزائن
الخاصة
والعامة في
كل العالم.
وقد اعترف
الأستاذ
ماسينيون
بأنه كان فكر
على إثر ثورة
كمال
أتاتورك
وإلغائه
للحروف
العربية، في
تركيا،
أن من
المناسب أن «
يصلح
الإيرانيون،
والعرب،
كتابتهم
بطريق
الاقتباس من
الحروف
اللاتينية،
ولكنه عاد
فوجد أن
تلتينه حروف
الهجاء
العربي يهدم
أساس النحو
العربي الذي
هو الإعراب،
ويضيع على
العربية
سرها، لأن
هذه اللغة
السامية،
الخالصة،
لغة الشهادة،
يجب أن يحافظ
عليها كما هي
لتؤثر على
تكوين عام
حقيقي للغة
العالمية
المقبلة.
وترك
الهجائية
العربية
يؤدي إلى ضعف
الخط العربي
الذي يعيش
اليوم من
بغداد إلى
المغرب.»
وهكذا
فلم يعد محل
للبحث عن
لاتينية
العربية
وإنما أخذ
الباحثون
يعملون على
إيجاد إصلاح
للكتابة
العربية،
وللطباعة
العربية…»
وتقول
الدكتورة
عائشة عبد
الرحمن : « ما
زال جيلنا
منذ وعى،
يسمع دعاوي
عن عجز
العربية عن
أداء العلوم
الحديثة،
حتى كدنا
ننسى ماضيها
العلمي، في
عصر الحضارة
الإسلامية،
وفجر العصر
الحديث. ومنذ
عزلت عن
الميدان
العلمي
تدريسا،
وتأليفا،
صارت دعوى
عجزها من
المُسلَّمات
البديهية
التي لا
تحتمل
الجدل، ولم
تفلح جهود
نصف قرن في رد
اعتبارها
العلمي
إليها، حتى
عربت " موسكو
" علوم العصر :
فهل كنا
نحرث في
الماء ؟ »
»
في
صيف عامنا
هذا، تلقيت
رسالة من
مطبوعات
موسكو
العربية،
حسبتها أول
الأمر مما
ينشره "
المجمع
العلمي
للاتحاد
السوفيتي "
من ذخائر
تراث لنا...
فلما نظرت في
كتب هذه
الرسالة من
مطبوعات
موسكو
العربية،
وجدتها
جميعا من
صميم علوم
العصر، التي
وضعت لتكون
مرجعا
للدارسين في
الجامعات،
والمراكز
العالية،
للتدريب
الفني... وبعد
أن تحدثت في
مادتها
العلمية إلى
عدد من صفوة
علماء
الاختصاص،
وفي مقدمتهم
عالمنا
الحكيم
الدكتور
محمد كامل
حسين،
والدكتور
أسامة أمين
الخولي،
وكيل هندسة
القاهرة،
كانت مفاجأة
لي أن أقرأ
لغتي في هذه
العلوم
العصرية،
سليمة،
واضحة،
دقيقة، طَيِّعة،
مُيسَّرة لا
تتوقف، ولا
تتعثر، وأن
أمضي في
قراءة
المواد
العلمية
التي انعزلت
عنها طويلا،
مأخوذة
بلهفة من
يكتشف، فجأة
أن أسرارا من
لغته غابت
عنه، بعد كل
ما ضج به
أفقنا
العربي
المعاصر من
دعاوي
طنانة،
رنانة، تؤكد
عجز لغتنا عن
أداء علوم
العصر،
وتبرر عذر
جامعتنا في
الإصرار على
تدريسها
بلغة
أجنبية،
وتنذرنا بأن
نظل حيث نحن، متخلفين
عن العصر
علميا،
وصناعيا، إن
نحن جازفنا
بتعريب
العلوم،
استجابة
لعاطفة
قومية
ساذجة، لا
مجال لها في
عصر العلم !... «
...»
وقد
اختلطت
الدعوى في
بعض مراحلها
الأولى
بالدعوة إلى
اللغة
العامية.
فالدكتور (سبينا)
كان يرى لنا
أن نهجر
الفصحى -
السائرة إلى
الموت - إلى
اللغة
العامية على
أن نكتبها
بحروف
لاتينية ! لكن
الحملة على
الفصحى سارت
بعده في
طريقين،
أحدهما يدعو
إلى
العامية،
والآخر يدعو
إلى لغة
أجنبية حية
بديلا
للعربية
الميتة
«...
»
وبدأ
(عبد الله
النديم) من
العدد الأول
من (مجلته) "
التنكيت
والتبكيت "
حملته على
دعاة اللغة
الأجنبية (عام
1881) بحوار ساخر
بين ابن
البلد وابن
عربي متفرنج
!!!، ثم كتب
في العدد
الثاني
مقالا
عنوانه "
إضاعة اللغة
تسليم للذات
" سأل فيه
الناطق
بالضاد : «
بم
يستعيض عن
لغته وما لها
من مثيل ؟ أعن
جهل بتاريخ
لغتنا،
وأسرارها،
وتراثها،
وحيويتها ؟
أم عن افتتان
بحسن، في لغة
أجنبية
حديثة، ليس
في لغتنا ؟ ثم
استطرد يقول :
« (إن اللغة
سر الحياة،
والحد
الفارق بين
الإنسان
والبهيم... فهي
أنت، إن لم
تكن تدري
من
أنت. وهي
وطنك، إن لم
تعرف ما
الوطن ؟. أما
كونها أنت،
فلأنك بها
تعرف أهلك
وأنت إذا
فقدتهم صرت
وحيدا غريبا
في الوجود لا
يقول لك قائل
من أنت، وأما
كونها وطنك
فإنه إنما
يعمر الوطن
ويسمى وطنا
بأبنائه،
ومن فقد
المواطن فقد
الوطن. أسمعك
تقول : (إذا
فقدت لغتي
اعتضت عنها
بأخرى). اعتضت
عنها ولكن
بما أضاع منك
الوطنية،
والمعتقدات
الدينية...
فتبيت وأنت
وطني حر،
وتصبح وأنت
في يد أجنبي، يصرفك
كيف يشاء...
لأن إضاعة
اللغة تسليم
للذات«.
»
وهنا
تقدم
الأستاذ (أمين
شميل) فدخل
ميدان
المعركة بكل
وزنه
الثقافي
ومكانته
الأدبية،
فلم يكتف بأن
يستعير لغة
أجنبية (لتدريس
العلوم
الحديثة
والتأليف
فيها)، بل
نتخلى
عن العربية،
فصحى
وعامية، إلى
لغة أجنبية
تحيينا
علميا،
وثقافيا،
واقتصاديا.
وأكد عقم
كل محاولة
تبذل لإحياء
لغتنا
العربية
المقضي
عليها حتما
بالموت ».
»
وردد
الأستاذ
سلامة موسى
القول
بمسؤولية
اللغة
العربية عن
تخلفنا
العلمي، إلى
جانب
مسؤوليتها
عن تخلفنا
الحضاري،
والاقتصادي،
والاجتماعي،
وعن الجريمة والجنون.
...»
واشتدت
حملته على (
الأحافير
اللغوية )
وسخريته
بالزهو
المضحك ممن
يعتقد أن
لغتنا
تستطيع أن
تجتر نفسها.
وهذا
الاعتقاد من
أكبر
الأسباب
للفاقة
الثقافية
التي
نعانيها في
وقتنا (لأن
هذه اللغة لا
ترضي مثقفا
في العصر
الحاضر، إذ
هي لا تخدم
الأمة، ولا
ترقيها،
لأنها تعجز
عن نقل نحو
مائة من
العلوم التي
تصوغ
المستقبل) ».
»
واضطرب
بين الدعوة
إلى
العامية،
والدعوة إلى
لغة علمية،
ليست هي لغة
القرآن،
وتقاليد
العرب
البالية، مع
الإلحاح في
النصح لنا
باستعمال
الحروف
اللاتينية».
»
وقد
انتظر
بدعوته حتى
ظهر الأستاذ
عبد العزيز
فهمي
باقتراحه في
العدول عن
الحروف
العربية إلى
الحروف
اللاتينية...
فتلقف (الكاتب
"المصلح"
الأستاذ
سلامة موسى)
هذا
الاقتراح
وقال : « ... هو
وثبة
المستقبل لو
أننا عملنا
به لاستطعنا
أن ننقل مصر
إلى مقام
تركيا (؟ !)
التي أغلق
عليها هذا
الخط أبواب
ماضيها،
وفتح لها
أبواب
مستقبلها ».
وترد
الدكتورة
عائشة عبد
الرحمن على
دعاوي سلامة
موسى بقولها : «
وهل
استطاعت
تركيا -
القدوة
والمثال - أن
تبلغ،
بحروفها
اللاتينية،
من التقدم
الصناعي،
والرقي
العلمي ما
بلغته
اليابان، أو
الصين
الشعبية،
بلغتها
الشرقية
الأسيوية
العتيقة ؟ أو
هل استطاعت
غانا -
والانكليزية
لغتها
الرسمية
والثقافية -
أن تملك من
العلم،
والقوة،
والمستقبل،
ما لا تملكه
مصر، أو
المغرب مثلا
؟ أو هل خرج
السودان
الجنوبي -
ولغته الإنجليزية
- من الشعوب
المتخلفة
إلى الدول
المتمدنة؟»
»
لكن
هذه الدعاوي
العريضة
التي لا تصمد
لنظر، أو
منطق، أو
واقع، وجدت
من يومنون
بها، من
مثقفينا
السائرين
غربا...
»
لقد
بدأت القضية
بعزل
الاستعمار
لغتنا عن
العلم، ثم
الدعوة إلى
هجر لغتنا
واستعارة
الإنجليزية
أو الفرنسية
للعلوم
الحديثة،
وكأن هاتين
اللغتين دون
الألمانية،
أو الروسية،
أو
اليابانية، -
مثلا - هما
المفتاح
السحري
لكنوز العلم.
«...
هي قضية
لغوية ظلت
مطروحة أكثر
من نصف قرن
تواجه الأمة
العربية
بدعوى عجز
لغتها
القومية عن
أداء العلوم
الحديثة،
وقصورها عن
نقل علوم
العصر،
وتلقي عليها «
تبعة تخلفنا
العلمي
وفاقتنا
الثقافية...»
»
وإذا
كانت
العربية قد
صمدت لكل هذه
الحملات
الضارية،
التي جاءتها
من الأجانب
الغرباء،
ومن أبنائها
المتغربين،
تحاربنا
باللهجات
العامية
حينا،
وبالخط
اللاتيني
حينا،
وتتهمها
بالبداوة
والعقم،
فتعزلها عن
الميدان
العلمي،
لتظل نائية
بها عن روح
العصر، أقول
إذا كانت
العربية قد
صمدت لهذه
الحملات،
فلأنها - دون
ريب - تملك من
القوة،
والحيوية،
والصلاحية
للبقاء، ما
قاومت به
محاولات
المسخ،
ورفضت نبوءة
المتنبئين
لها بالموت ».
ويقول
الدكتور
شكري فيصل
عضو المجمع
العلمي
العربي
بدمشق :
»
لقد
انقضت
الفترات
التي كانت
اللغة
العربية
فيها موضع
اتهام... إن
سلسلة
التجارب
التي
مارستها بعض
الجامعات
العربية في
سورية،
والعراق،
وفي مصر
أحيانا،
وفي بعض
بيئات
المغرب
العربي - نهضت
دليلا قاطعا
على أن اللغة
العربية ما
كان لها
أن تكون
مقصرة عن
استيعاب
المعرفة
أولا، وعن
المشاركة في
ترقيتها بعد
ذلك».
»
ويكفي
أن أعرض
التجربة
العربية في
سورية، على
أنها مثل
يجسد هذه
الحقيقة،
ففي جامعات
دمشق، وحلب،
واللاذقية،
التي
استكملت
فروع
المعرفة
العلمية
كلها، يمضي
تدريس
العلوم
جميعها
بالعربية،
وتتأصل
اللغة
العربية في
هذه المراحل
الثلاث ...
مرحلة
التدريس،
ومرحلة
التأليف،
ومرحلة
الإبداع،
والبحث
العلمي ».
»
أفلا
يعيبنا أن
تعترف
المؤسسات
الدولية،
مثل
الأونسكو،
باللغة
العربية، أي
أن تعترف
بقدرتها
الكاملة على
التعبير عن
كل ما يتصل
بالمعرفة،
ثم لا تزال
بعض
الأقطار، أو
الأفكار،
تماري في هذا
المبدإ.
وتجادل فيه ؟».
ولعل
خير ما نختم
به هذا
الفصل، فصل
استقصار
اللغة
العربية، هو
ما جاء في
كلمة
الدكتور
إبراهيم نجا
وكيل جامعة
الأزهر،
التي ألقاها
في مؤتمر
التعريب : «
فإنه
ليسعدني أن
أتقدم بهذا
البحث
الموجز عن
خصائص اللغة
العربية في
التعبير
العلمي،
إسهاما مني
في الذود عن
هذه اللغة،
التي لم يفتأ
خصومها لحظة
عن رميها
بالقصور
والعجز، على
الرغم مما هو
ثابت لديهم،
بالأدلة
التي لا
تحتاج إلى
برهنة، عن أن
العالم مدين
بحضارته،
ونهوضه، إلى
حضارة
الإسلام
التي قامت في
عصور
ازدهاره، في
بغداد،
والأندلس،
والتي وفت
العربية
بجميع
متطلباتها،
في هذه
الحقبة،
بصورة لا تدع
مجالا لريب
مرتاب. وما
أجدرنا أن
نتذكر قول
شاعر النيل
المرحوم
حافظ
إبراهيم وقد
أحس بهذا
الألم فتحدث
بلسانها
قائلا :
«رموني
بعقم في
الشباب
وليتني
عقمت
فلم أجزع
لـقـول
عـداتـي
وسعت
كـتـاب اللـه
لفـظا
وغايــة فما
ضـقت عن
آي بـه وعـظات
فكيف أضيق
اليوم عن وصف
آلة وتــنـســيق
أسماء
لمخــترعات
أنا البحر
في أحـشـائه
الدر
كامن فهل
سألوا
الغواص عن
صدفاتي؟»
»
وما
كادت اللغة
العربية أن
تتخلص من
محنة
اتهامها
بالقصور
والعجز ومن
مصائب
التلتين
والتعجيم
التي دامت
نحو نصف قرن (
حسب قول
الدكتورة
عائشة عبد
الرحمن) حتى
جابهتها
مشاكل أخرى
عويصة،
متعددة،
ومتنوعة، في
طريق سيرها
للحاق بركب
العلم
ومواكبة
فتوحاته،
وتقدمه، من
خلال حركة
التعريب.»
لكنها
مشاكل ما
أيسر أن تحلّ
إذا توفرت
الإرادة
السياسية
لدى أولي
الأمر في
الدول
العربية،
ولن تلبث أن
تجد لها
حلولا بحول
الله وقوته
إن شاء الله.
|