بسم الله / الاستقبال / في اللغة /مع المعجم الوسيط في محاسنه

 مع المعجم الوسيط *

في محاسنه

 

للمعجم الوسيط الذي أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة في السنة 1960 محاسن كثيرة امتاز بها على غيره من المعاجم سواء منها القديمة والحديثة مما يجعله مرجعا لا يُسْتَغْنَى عنه في مجال شرح مفردات اللغة العربية. ولا نقصد في هذه العجالة أن نستقصي ما اختص به هذا المعجم القيم من مزايا ومحاسن فإننا كما سبق لنا أن قلنا فيما نشرناه بهذه المجلة تحت هذا العنوان لم نتفرغ لنقده نقدا موضوعيا يجلو كل ما له من المحاسن وكل ما عليه من المآخذ وإنما هي ملاحظات تظهر لنا، عندما نلجأ إلى هذا المعجم ليسعفنا بشرح لفظ أو تدقيق معنى من معانيه، فنقيدها مساهمة منا في الجهاد العظيم المبارك الذي يقوم به رجال اللغة العربية في مشارق الأرض ومغاربها خدمة للغة الضاد.

    ولقد لاحظنا بصفة عامة من خلال مراجعنا الكثيرة للمعجم الوسيط مصداق ما قاله الدكتور إبراهيم مذكور الأمين العام للمجمع في الكلمة التي صدر بها هذا المعجم فهو كما قال : «... ولا سبيل إلى مقارنته بأي معجم من معاجم القرن العشرين العربية، فهو دون نزاع أصح وأدق، وأضبط، وأحكم منهجا، وأحدث طريقة وهو فوق كل هذا مجدد ومعاصر يضع ألفاظ القرن العشرين إلى جانب ألفاظ الجاهلية وصدر الإسلام، ويهدم الحدود الزمانية والمكانية التي أقيمت خطأ بين عصور اللغة المختلفة، ويثبت أن في العربية وحدة تضم أطرافها، وحيوية تستوعب كل ما اتصل بها وتصوغه في قالبها " والمجمع - كما قال الدكتور منصور في هذا المعجم " توسع في المصطلحات العلمية الشائعة ودعا إلى الأخذ بما استقر من ألفاظ الحياة العامة، وخطا في سبيل التجديد اللغوي خطوات فسيحة، ففتح باب الوضع للمحدثين، شأنهم في ذلك شأن القدامى سواء بسواء، وعمم القياس فيما لم يقس من قبل، وأقر كثيرا من الألفاظ المولدة والمعربة الحديثة وشدد في هجر الحوشي والغريب».

    وإنه ليسعدنا أن نتمكن في هذه العجالة من أن نسوق بعض الأمثلة الشاهدة على صحة ما قاله الدكتور إبراهيم مذكور مما عثرنا عليه صدفة أثناء مراجعتنا للمعجم لا بقصد النقد كما وضحنا ذلك من قبل ولكن استجلاء لمعنى بعض الألفاظ التي غمضت علينا.

    فمما نستحسنه في " المعجم الوسيط " هو انفراده دون سائر المعاجم بتدقيق معاني بعض الألفاظ القديمة تدقيقا صحيحا يزيدها وضوحا ويفي بمدلولها كل الوفاء. ومن الأمثلة على ذلك شرحه لفعل " حَدِئَ عليه " كما يلي : استمر في الحدب عليه ونصره، يقال (حدئت المرأة على ولدها) ". وهو في رأينا الشرح الصحيح الكامل الوافي كل الوفاء بمدلول فعل "حدئ " الذي مكث زمنا طويلا يتقلب في بطون المعاجم بشرح ناقص جعله طوال قرون مجرد مرادف لفعل " عطف " و" نصر " نازعا عنه الميزة التي تميزه عن "عطف " و"نصر" وترقَى به عن المرادفة وهي ميزة " الاستمرار " التي  لا نجدها في غير " المعجم الوسيط " فقد ورد شرح فعل " حدئ عليه " في " لسان العرب " لابن منظور وفي " تاج العروس على شرح القاموس " كما يلي : " حدب عليه وعطف عليه ونصره ومنعه من الظلم ".

    ويؤيد مجمع اللغة العربية في شرحه الموفق المتضمن معنى الاستمرار أن أصل كلمة " حدئ " - أو تركيبها كما قال صاحب " التاج " - يدل على الملازمة ويتبين ذلك من قولهم (حدئ بالمكان) إذا أقام به ولزمه. والمجمع بشرحه هذا قد تدارك هذه الدرة النفيسة النادرة من الضياع، بعدما بخستها المعاجم قيمتها، وغضت من قدرتها، وهي يد أخرى للمجمع على اللغة العربية التي هي في حاجة إلى هذه المفردة بمعناها الدقيق الصحيح الكامل الذي جلاه المجمع أكثر مما هي بحاجة إليها بالمعنى الوارد في المعاجم والذي لا تعدو به أن تكون مرادفة لفعل " عطف " من جملة مرادفاته العديدة المتداولة.

    ومما نستحسنه كذلك في شرحه فعل " حدئ عليه " إغفاله معنى " غضب عليه " الذي يجعله من الأضداد وهو وارد ضمن شرح هذا الفعل في " اللسان " وفي " التاج " وفي "متن اللغة " وقد سبق لنا في غير هذا البحث أن عبرنا عن رأينا في الأضداد وقلنا في غير هذا البحث بوجوب إزالة الضدية من معانيها بالاقتصار في شرحها على أحد المعنيين المتضادين والاجتزاء بالمعنى المشهور الشائع في مادة اللفظ اللغوية كلها يعني المتردد في جميع مفردات أسرته. ونحن نصفق لكل معجم وفق إلى نزع الضدية عن لفظ من الأضداد توفيق " المعجم الوسيط " في محو ضدية " حدئ عليه ". ومما نستحسنه أيضا إزالته ضدية  " دأدأ ".

    دأدأ : أسرع وعدا أشد العدو. ودأدأ في أثره : تبعه مقتفيا له، ودأدأ القوم تزاحموا وأحدثوا جلبة ودأدأ الشيء : حركه ودحرجه ودأده غطاه. فبهذا الشرح عمل " المعجم الوسيط " على اجتناب الالتباس الناشئ عن معنى الضد الوارد ضمن شرح هذه المفردة في جميع المعاجم العربية، فقد ذكر (لسان العرب) و(تاج العروس) و(متن اللغة) بهذا الصدد ما يلي : و" دأدأ الشيء حركه وسكنه ".

    ومما نستحسنه أيضا في " المعجم " أنه انفرد دون سائر المعاجم بإضافة " أجنأ الشيء: عطفه في مادة : " جنأ " التي لم يرد ضمن شرحها في " اللسان " ولا في " التاج " هذا المعنى إلا في صيغة إسم المفعول من المزيد الرباعي " أجنأ " وذلك في قولهما : والمُجْنَأُ بالضم : الترس لا حديد به. قال أبو قيس بن الاسلت السلمي :

أَحْـفِـزُها عـنِّي بـذِي رَوْنَقٍ       مُـهَـنَّـدٍ، كـالـمِـلْـحِ قَــــطَّـاعِ

صَـدْقٍ، حُـسـامٍ، وَادِقٍ حَدُّهُ       ومُـجْـنَــإٍ،  أَسْــمَـرَ، قَــرَّاعِ

    والمجمع بإيراده هذا الفعل الرباعي بهذا المعنى قد أمد لغة التقنيات الصناعية بمفردة قيمة صالحة لتتخذ مدلولا اصطلاحيا في ميدان الصناعة والتصنيع.

 * نشر في العدد 14 من مجلة "اللسان العربي" الصادر في السنة 1976