(بسم الله / الاستقبال / في اللغة /مع المعجم الوسيط في طبعته الأولى (1

 مع المعجم الوسيط

في طبعته الأولى*

(1)

 

  يمتاز " المعجم الوسيط " الذي ألفه " مجمع اللغة العربية " بكونه يسد جانبا كبيرا من الفراغ الذي كان يواجه الباحث في معاجم اللغة العربية عن دلالة لفظ حديث مولد أو معرب أو عن معنى مولد للفظ قديم وذلك باشتماله على عدد وافر من المصطلحات العلمية والفنية والحضارية التي لا توجد في غيره من المعاجم العربية حتى الحديثة منها كـ "أقرب الموارد" و" المنجد " مع استيعابه لمادة هذين المعجمين منقحة ومهذبة وأنه حقا لجدير بأن يكون المعجم الذي يعتمده الأستاذ والمعلم والطالب والأديب وكل قارئ للغة الضاد فيكفيهم ويغنيهم عن غيره.

    ونظرا لخطورة مكانة " المعجم الوسيط " نعتبر من واجب كل مثقف عربي أن يوليه كامل عنايته بإمعان النظر فيه وتدقيق مراجعة مجموعة مادته وإعمال الرأي في مضمونه وشكله ثم يبدي ما قد يعنُّ له من ملاحظات وأفكار بشأنه حتى يعمل المجمع بما يستصوبه منها في الطبعة التالية.

    وإننا لم نتمكن من أداء هذا الواجب إذ لم يتسع وقتنا حتى الآن للنظر في "المعجم الوسيط " بهذه العين الناقدة لكننا أثناء بحثنا عن معاني بعض الكلمات استوقفتنا الملاحظات التالية :

    - أغفل " المعجم " جميع الكلمات الداخلة في مادة " حشو(1) " وَمادة "حشي" وعددها في (أقرب الموارد) لا يقل عن ست وعشرين كلمة، وقد أبلغنا هذه الملاحظة إلى المجمع بواسطة الأمين العام للمكتب الدائم لتنسيق التعريب، فأجاب بأنه سيتدارك هذا النقص في الطبعة الثانية.

    - أغفل المعجم أيضا كلمة " مبالاة " وفعلها " بالاه " وبالى(1) به : بمعنى اهتم به واكترث له، وقد وردت هاته الكلمة وفعلها بهذا المعنى في غيره من المعاجم، وقد نبهنا إليها المجمع كذلك ملاحظين بأنها كلمة ما فتئت جارية على أقلام الكتاب وألسنة الخطباء في كل عصر ومصر وأنها وجدت في دعاء سيد البلغاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... إِن لم يكن بِكَ عَلَيَّ غضب فلست أبالي."

    لكن المجمع لم يجب على هذا التنبيه الثاني.((1

    أما بقية الملاحظات فنبلغها للمجمع فيما يلي :

    - أغفل المعجم فعل " خَطُر " (بفتح الخاء وضمِّ الطاء) ومصدره "خطورة".  (2)

    وأورد (أقرب الموارد) في شرح هاتين الكلمتين ما يلي : " خَطُرَ الرذْل خطورة صار خطيرا أي رفيعا، وفي " اللسان " خطُر (بضم الطاء) يَخْطُرُ خَطَراً وخُطُوراً إذا جَلَّ بعد   دقة ".

    - في شرح كلمة " خَطِرٌ " (الصفة) أغفل المعجم معنى " رفيع " و" جليل " مقتصرا على ما يلي :     " الخَطِرُ المتبختر ".

    - أورد المعجم ضمن شرحه لكلمة " مَدلجة" (المفتوحة الميم) ما يلي : " العلبة الكبيرة ينقل فيها اللبن " والصحيح أن هذا المعنى هو مدلول كلمة " مِدلجة " (المكسورة الميم) كما ينص عليه (أقرب الموارد) و(تاج العروس) و(أساس البلاغة(.

    - أورد المعجم كلمة " فُطور " (بضم الفاء) مكان " الفَطور " (المفتوحة الفاء) إسم ما يتناوله الصائم ليفطرعليه وهو بلا شك خطأ مطبعي لكنه ينبغي التنبيه عليه.

    - أغفل كلمة " ثَعَمَ " ففي المخصص لابن سيده "ثَعَمْتُ الشيءَ جررتُه".

    وفي " الصحاح " (للجوهري) ثَعَمْتُ الشيء نزعته وتَثَعَّمَتْنِي أرضُ فلانٍ أي أَعْجَبَتْنِي".

    وفي (لسان العرب) : « ثعمهُ ثعما : جَرَّه ونَزَعَه، وتَثَعَّمَتْهُ الأرضُ : أعْجَبَتْهُ فَدَعَتْهُ إليها وجرته لها على المثل ونحو ذلك كذلك«.

    وفي تاج العروس « ثَعَمَهُ كمَنَعَهُ ثَعْماً : نزعه كما في الصحاح وزاد غيره وجرَّه وتثعمتني أرض كذا أي أعجبتني فدعتني إليها وجرتني لها وهو مجاز«.

    - شرح المعجم فعل " برنق " كما يلي : " برنق الشيء " صبغه بالبرنيق فهو مبرنق(3) " لكنه لم يشرح كلمة " برنيق " وإنما شرح كلمة " برنيقي " بقوله : "مهل مصنوع من زيت الكتان تدهن به المصورات وغيرها وهو منسوب إلى (برنيقا) من بلاد إسبانيا "، فإذا كان المجمع يعتبر " البرنيق "  و"البرنيقي " إسمين لمسمى واحد فيحسن به أن يثبت كلمة "برنيق" بجانب كلمة "برنيقي" قبالة الشرح المذكور وإذا كان يعني بكلمة " برنيق " شيئا آخر فينبغي أن تفرد وتخص بشرح.

    - بعد ما أورد المعجم كلمة " مباراة " مصدرا لفعل " باراه " أوردها في آخر المادة إسما مفردا وخصها بالمعنى المولد ضمن شرحه التالي : " منافسة رياضية بين فريقين أو فردين (مج) لكنه لم يورد لها جمعا بينما لا يهتدي البعض إلى جمعها على "مباريات " ويجمعها على " مباراة ".

    - أورد المعجم كلمة " تلغراف "(4) متلوة بنقطتي الشرح ولكن بقي مكان الشرح أبيض ولعل السهو من أصحاب المطبعة.

    - أغفل المعجم عددا وافرا من المصطلحات التي أقرها المجمع والمتصلة بالحياة الاجتماعية والمعاملات اليومية اتصالا وثيقا يصبغها بصبغة حضارية أقوى من صبغتها العلمية مثل كلمة " ائتمان " التي قابل بها المجمع كلمة "crédit" الفرنسية ضمن مصطلحات الاقتصاد السياسي وشرحها في "مجموعة المصطلحات العلمية والفنية " التي أقرها بقوله : "هو تقديم مال حاضر نظير الحصول على مال مستقبل وأساسه الثقة وهو لفظ له إطلاقات مختلفة ".

    ومثل كلمة " درابزين " وقد سبق لمجمع اللغة العربية نفسه أن أقرها لمقابلة كلمة       " balustrade ".

    - في شرحه لكلمة " مثعب " اقتصر على نقل المعنى العام الغامض الوارد في المعاجم القديمة : " الميزاب ومجرى الماء من الحوض وغيره " ولم يورد المعنى الدقيق الذي أعطاه المجمع لهذه الكلمة عند مقابلته إياها بكلمة siphon الفرنسية ضمن المصطلحات التي أقرها ونشرها في الجزء الثاني من مجلته : "أنبوب ملتو على شكل حرف (S) تتصل إحدى نهايتيه بفتحة الحوض السفلى".

    ثم أورد كلمة " سيفون " ضمن مادة " سيفون " وشرحها بقوله : « صندوق الطرد الذي يكسح ما في المرحاض (د«.(

    وهذا شرح غير صحيح فكلمة سيفون لا تعني صندوق الطرد وليس لها شكل صندوق وإنما لها شكل حرف "S" وهي الجزء الأسفل من الجهاز المتصل بصندوق الطرد، فينبغي شرحها على النحو الوارد في شرحها ضمن المصطلحات التي أقرها المجمع ونشرها في الجزء الثاني من مجلته.

    - أغفل كلمة "المستوى" إسم مكان من "الاستواء" (مستوى الماء في السد مثلا ومستوى التعليم) المقابلة للكلمة الفرنسية Niveau مع أنه أورد كلمة "المستوِي " على صيغة إسم الفاعل وشرحها بقوله "السطح المستوي : هو الذي إذا أخذت فيه أي نقطتين كان المستقيم الواصل بينهما منطبقا عليه " (مج)

    - اهتم المعجم برسم صور لكثير من الأشياء المعلومة عند عامة الناس مثل "السن " و"الضرس" و" الديك " و" الذبابة " الخ ... بينما ترك بدون رسم أشياء كثيرة قد تحتاج في فهمها إلى رؤية صورها مثل " الجد جد " الذي قال عنه " حيوان كالجراد يصوت بالليل " ومثل " الاسطوانة " التي لا يكفي في فهمها الاطلاع على هذا الشرح العلمي العميق : « جسم صلب ذو طرفين متساويين على هيئة دائرتين متماثلتين تحصران سطحا ملفوفا بحيث تمكن متابعته بخط يتحرك موازيا لنفسه وينتهي طرفاه في محيطي الدائرتين وكل جسم أو شيء ذي شكل أسطواني يسمى «أسطوانة أيضا»، فقد كان الأولى بالمجمع وقد أريد منه أن "يترسم طريقة لاروس" كما ذكر ذلك في مقدمة معجمه أن يورد على الأقل الرسم الذي أورده " معجم لاروس الصغير " للمقابل الفرنسي لكلمة " أسطوانة " Cylindre.

    - كثير من الرسوم والصور الواردة في المعجم تنكرها العين ولا يتبين الناظر حقيقتها إلا بعد قراءة الشرح المتعلق بها مثل " المرضعة " التي هي أشبه شيء بالساطور أو المنجل وأمثال " السن " و" الريشة " و" المصورة " و"المصعاد " و" الابزيم " و" الابزن "  و"المسجلة " و" الصلاية " و"المركن" الخ...

 

 * نشر في مجلة اللسان العربي بالعدد 2 الصادر في يونيه 1964

 (1) تدارك السهو في الطبعة الثانية الصادرة في 1973م

 (2) تدارك ذلك في الطبعة الثانية

 (3) تدارك ذلك في الطبعة الثانية فحذف كلمة "برنيق" من الشرح وجعل مكانها كلمة "برنيقي"

 (4) تدارك السهو وشرحها في الطبعة الثانية كما يلي : (التلغراف) : البرق. (د( وكان الأحرى به أن يورد ترجمة شرحه من (لاروس) أو من غيره من المعاجم الغربية. (المؤلف(.