ينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام : فالقسم الأول المعنون "في عبقرية اللغة" يعالج مكانة اللغة العربية وآراء المفكرين العرب والغربيين حولها وما تمتاز به عن غيرها من خصائص. فيجول بنا الكاتب بأسلوب شيق وممتع ليعرفنا بعض تلك المزايا من اشتقاق وقياس ونحت وإيجاز ودقة وإعراب وثروة وسعة تدرج في مراتب الأشياء مفردا لكل ذلك فصولا سهلة التناول مبسطة لعامة القراء. ويقوم بمقارنات بنيوية وأسلوبية بينها وبين اللغة الفرنسية ليجلو جانبا من عبقرية لغة الضاد وتفوقها على اللغة الفرنسية من حيث الإيجاز والدقة في التعبير وجزالة اللفظ وتركيب الجمل. ثم ضمن هذا القسم يتناول في ثلاثة فصول الحديث عن "معاجم المعاني" العربية القديمة، و"معاجم المعاني" الفرنسية ثم يخصص فصلا لبسط مشروع "معجم المعاني" العربي كما يتصوره... وخدمة لمستقبل اللغة العربية وبعد خبرة معجمية فاقت الأربعين سنة في نطاق التعريب يقدم لنا المؤلف بحثا مفيدا جمع فيه آراءه حول ما سماه "المعجم العربي للمعاني" مقترحا منهجه وموضوعه سبق أن نشره في مجلة "اللسان العربي" العدد الأول (صفر 1384 - يونيو (1964 ويعرف في هذا الميدان بكتاب "لآلئ العرب" وهو معجم للمحقق المرحوم سالم رزق لم يكتب له النشر إلى الآن. ويختتم القسم الأول بفصل "أولوية الألفاظ القرآنية". يتناول هذا الأخير تنبيها على أهمية الألفاظ القرآنية. ذلك أن الكاتب يستعرض من القرآن الكريم ما بدا له مهجورا من ألفاظ أو قل استعمالها. فيعطي شرحا لها مشجعا ومهيبا بالكتاب والأدباء أن يلتصقوا أكثر فأكثر بتلك الألفاظ استعمالا نثرا أو شعرا...
ويخصص القسم الثاني للأبحاث التي نشرها في مجلة "اللسان العربي" حول ملاحظاته على "المعجم الوسيط" الذي أصدره "مجمع اللغة العربية بالقاهرة". ولم يفته أن يشيد في مقال خاص بمحاسن "المعجم الوسيط" ومكانته المرموقة من بين المعاجم اللغوية العربية المعاصرة وما يتفرد به عن سواه. ومن دواعي الاعتزاز أن المجمع استجاب لاثنتي عشرة ملاحظة من ملاحظات الوالد على الطبعة الأولى للمعجم فتدارك في الطبعة الثانية بعض ما كان أغفله من مفردات وصحح الشروح لمفردات أخرى كما يتبين بتفصيل من تقييداته الهامشية في أسفل صفحات هذا القسم ونرجو الله أن يوفق المجمع للاستجابة لما بقي من الملاحظات فيما يستقبل من الطبعات.
ثم يأتي القسم الثالث بعنوان "تقويم اللسان" ليتضمن تصحيح الأخطاء الشائعة. وجاء ضمن هذا القسم الثالث سلسلة من بحوث في تقويم اللسان لم يسبق نشرها ؛ ضمنها والدي حفظه الله تصحيح ما شاع من لحن على ألسنة المذيعين على الخصوص فجاراهم في ذلك عامة القوم.
ويختتم الكتاب "القسم الرابع" بعنوان "محاربة اللغة العربية" تعرَّض فيه لمختلف الدسائس التي حيكت وتحاك للقضاء على لغة القرآن. فيتناول في فصلين، الدسائس والمؤامرات الاستعمارية وما لاقته وتلاقيه لغة الضاد من أعدائها مثل : الاستقصار والدعوة للتعجيم والتلتين أو الدعوة للهجات العاميات القطريات بديلا عنها...
وكما صدر كتابه بقصيدة شعرية (بنت عدنان) جادت قريحته بها نجده يختتم بحسرة ويطوي دفة الكتاب بقصيدة ثانية "وا لغتاه" مطلقا صرخة الاستنجاد للغة القرآن.
وفي واقع الأمر لم يكن في خلد والدي تصنيف كتاب في اللغة وقد سبق أن ذكرت ذلك عند تقديمي لكتابه "في التعريب" وكتابه "في الاصطلاح" وشرحت أن هذه الكتب الثلاثة تمثل وحدة متكاملة أوحتها ظروف خاصة وكانت نواتها مختلف المقالات اللغوية والتعريبية لوالدي تتبعتها وأخرجتها من مجلة "اللسان العربي" حيث كان ينشرها لما كان رئيسا لمصلحة التعريب بالمكتب المغربي للمراقبة والتصدير بالدار البيضاء وخبيرا للمكتب الدائم لتنسيق التعريب بالرباط.
أسأل الله العلي القدير أن ينتفع بهذا الكتاب كل من له غيرة على هويته وأصله العربي ويكنّ في نفسه للغة القرآن مكانة مقدسة ؛ وأن يمد في عمر المؤلف ويبارك أعماله. آمين والحمد لله رب العالمين.
فاس في 25 يونيوه 1994 الدكتور أمل العلمي
|