اشتمل
" فقه اللغة " للثعالبي على 563 (خمسمائة
وثلاثة وستين) فصلا في تدرج مختلف الأشياء
في المراتب. واشتمل كتاب : " الألفاظ
الكتابية " للهمداني على 366 (ثلاثمائة
وستة وستين) فصلا في موضوع مشابه لموضوع
" فقه اللغة " إلا أنه مغاير له واشتمل
كتاب " أدب الكاتب " لابن قتيبة على 54 (أربعة
وخمسين) فصلا في نفس الموضوع غير أنه مؤلف
على طريقة مخالفة لطريقتي الكتابين
المذكورين. وكتاب
" المخصص " لابن سيده يشتمل على
أوسع من هذه الكتب الثلاثة مجموعة.
هذه
أربعة من مئات الكتب من هذا النوع ليس بين
أيدينا منها الآن إلا الثلاثة الأولى.
الحُمَّيَات
ينص
كتاب " فقه اللغة " في الصفحة 202 على ما
يلي :
«
إذا
أخذت الإنسان الحمى بحرارة وإقلاق فهي
مَلِيلَة. ومنها قيل : فلان يتململ على
فراشه، فإذا كانت مع حرها قِرَّة (أي برد)
فهي الْعُرَوَاء، فإذا اشتدت حرارتها ولم
يكن معها برد فهي صالب، فإذا أعرقت فهي
الرُّحَضَاء فإذا أَرْعَدَتْ فهي
النافِضُ، فإذا كان معها بِرْسَامٌ (التهاب
في الغشاء المحيط بالرئة) فهي المُومُ،
فإذا لازمته الحُمَّى أياما ولم تفارقه
قيل "أَرْدَمَتْ عليه وَأَغْبَطَتْ
".
«
إذا
كانت الحمى لا تدور بَلْ تكون نوبة واحدة
فهي حمى يوم، فإذا كانت نائبة في كل يوم
فهي الوِرْد، فإذا كانت تنوب يوما ويوماً
لا، فهي الغِبُّ، فإذا كانت تنوب يوما
ويومين، ثم تعود في الرابع فهي الرِّبْعُ،
فإذا دامت وأقلقت ولم تقلع فهي
المُطْبِقَة، فإذا قَوِيَت واشتدت
حرارتها ولم تفارق البدن فهي المُحْرِقَة
فإذا دامت مع الصُّداع أو الثقَلِ في
الرأس والحمرة في الوجه وكراهة الضوء فهي
البرسام فإذا دامت ولم تقلع ولم تكن قوية
الحرارة ولا لها أعراض ظاهرة مثل القلق
وعظم الشفتين ويبس اللسان وسواده وانتهى
الإنسان منها إلى ضنىً وذبول فهي دِقٌّ.
فأين
نجد مقابل هاته المصطلحات وآلاف أمثالها
في لغات العصر المتحضرة ؟
فصل
في
أدواء تدل على نفسها
بالانتساب
إلى أعضائها
العَضَدُ
وَجَعُ العَضُد، القَصَرُ وجع القَصَرَة،
الكُباد وجع الكبد، الطحَل وجع الطحال،
المَثَن وجع المثانة، رجل مصدور يشتكي
صدره، ومبطون يشتكي بطنه، وأنِف يشتكي
أنفه ومنه الحديث " المومن هَيِّنٌ
لَيِّنٌ كالجمل الأنِف إن قيد انقاد وإن
أنيخ على صخرة استناخ".
فصل
في
ضروب الغشي
إذا
دخل دخان الفضة
في خياشيم الإنسان وفمه فَغُشِيَ عليه قيل
: أَسِنَ (يأسَن) فإذا غشي عليه من الفزع
قيل : صَعِق، فإذ غشي عليه فظن أنه مات ثم
تثوب إليه نفسه قيل :
"أُغْمِيَ عليه"، فإذا غشي عليه
من السكتة قيل " أُسْكِتَ " فإذا غشي
عليه فَخًرَّ ساقطا والتوى واضطرب قيل :
" صُرِعَ ".
فصل
في
الجرح
إذا
أصاب الإنسان جرح فجعل يَنْدَى قيل :
صَهِيَ (يصهَى)، فإذا سال منه شيء، قيل :
فَصَّ (يفِصُّ) وفَزَّ (يفز)، فإذا سال بما
فيه قيل : نَجَّ (ينِجّ) فإذا ظهر فيه القيح
قيل : أَمَدَّ وأَغَثَّ وهي المِدّة
والغَثيثة، فإذا مات فيه الدم قيل قَرَتَ (يقرِت
قروتا) فإن انتفض ونُكِسَ
قيل : زَرِفَ (زَرَفاً).
فصل
في
إصلاح الجرح
إذا
سكن وَرَمُه قيل : حَمَصَ (يَحْمُصُ)، فإذا
صلح وتماثل قيل : (أَرِكَ، يَأْرَكُ)
واندمل (يندمل)، فإذا علته جلدة للبرء، قيل
جَلَبَ (يجلِب)، فإذا تقشرت الجلدة عنه
للبرء قيل :
تَقَشْقَشَ.
فصل
في
ترتيب التدرج
إلى
البرء والصحة
إذا
وجد المريض خفة وَهَمَّ بالانتصاب
والمثول فهو متماثل، فإذا زاد صلاحه فهو
مُفْرِق، فإذا أقبل إلى البرء غير أن
فؤاده وكلامه ضعيفان فهو مُطْرَغِشٌّ،
فإذا تَمَاثَلَ ولم يَثُبْ لَهُ
تَمَامُ قُوَّتِهِ فَهُوَ نَاقِهُُ، فإذا
تكامل برؤه فهو مُبِلٌّ، فإذا رجعت إليه
قوته فهو مُرْجِع. ومنه
قيل : " إن الشيخ يمرض يوما فلا
يُرْجِعُ شهرا "، أي لا ترجع إليه قوته.
فصل
في
تقسيم البرء
أَفَاقَ
من الغَشْيِ، صَحَّ مِنَ العِلَّة، صَحَا
من السُّكْرِ، انْدَمَلَ من الجُرْح.
فصل
في
ترتيب أحوال الزمانة
إذا
كان الإنسان مبتلىً بالزمانة فهو زَمِنٌ،
فإذا زادت زمانته فهو ضَمِنٌ، فإذا أقعدته
فهو مُقْعَدٌ، فإذا لم يكن به حَرَاكٌ فهو
المَعْضُوب...
فصل
في
تفصيل أحوال الموت
إذا
مات الإنسان عن علة
شديدة قيل : أراح، فإذا مات بعلة قيل : فاضت
نفسه (بالضاد)، فإذا مات فجأة قيل : فاظت
نفسه (بالظاء)، وإذا مات من غير داء قيل :
فَطَسَ وفَقَسَ فإذا مات في شبابه قيل :
"مات عَبْطَةً وَاخْتُضِرَ" فإذا مات
من غير قتل قيل : "مات حَتْفَ أَنْفِه"
وأوّل من تَكَلَّمَ بذلك النبيُّ صلى الله
عليه وسلم فإذا مات بَعْدَ الْهَرَم قيل :
قضَى نَحْبَهُ، فإذا مات نَزَفاً قيل :
صَفِرَتْ وِطابُهُ.
فصل
في
ترتيب البرص
إذا
أصابت الإنسان لُمَعٌ من برص في جسده فهو
مُوَلَّع، فإذا زادت فهو مُلَمَّع، فإذا
زادت فهو أَبْقَع، فإذا زادت فهو أَقْشَر.
فصل
في
ترتيب أوجاع الحلق
الحَرَّةُ
: حرارة في الحلق، فإذا زادت فهي
الحَرْوَة، ثم الثَّحْـثَـحَـة، ثم
الجَأَزُ، ثم الشَّرَقُ، ثم الفَوَقُ، ثم
الْجَرَضُ، ثم العَسْفُ وهو عند خروج
الروح.
فصل
في
ترتيب أحوال العليل
عليل،
ثم سقيم ومريض، ثم وقيذٌ، ثم دَنِفٌ، ثم
حَرِضٌ ومُحْرَضٌ وهو الذي لا حي فيرجى
ولا ميت فينسى.»
*
*
*
لا
يسعنا الاسترسال في إيراد سائر فصول كتاب
"فقه اللغة" المتعلقة بمراتب الأشياء
المادية منها والمعنوية وإنما نجتزئ بذكر
عناوين بعض ما بقي من الفصول لإعطاء نظرة
تقريبية على هذه الخصيصة البالغة الأهمية
والدقة التي انفردت بها لغة الضاد فنذكر
منها ما يلي :
-
ترتيب
ضخم الرجل - ترتيب ضخم المرأة - ترتيب الطول
- ترتيب اللين - ترتيب الشدة - ترتيب القلة -
ترتيب السفه - ترتيب الضيق - ترتيب الجدة
والطراوة - ترتيب البِلَى - ترتيب القِدم -
ترتيب جمال المرأة - ترتيب القبح - ترتيب
السمن - ترتيب هزال الرجل - ترتيب هزال
البعير - ترتيب الغنى - ترتيب الفقر - ترتيب
الشجاعة - ترتيب الجبن - ترتيب البياض -
ترتيب السواد - ترتيب الحمرة - ترتيب سن
الغلام - ترتيب سن المرأة - ترتيب سن البعير
- ترتيب سن الفرس - ترتيب سن البقرة الوحشية
- ترتيب سن ولد البقرة الأهلية - ترتيب سن
الشاة والعنز - ترتيب سن الظبي - تفصيل
كيفية النظر وهيئاته في اِختلاف أحواله -
ترتيب البكاء - ترتيب الضحك - ترتيب العيّ -
ترتيب العضّ - ترتيب الصمم - ترتيب البخل -
ترتيب الكرم - ترتيب النوم - ترتيب الجوع -
ترتيب العطش - ترتيب الشرب - ترتيب الحب -
ترتيب العداوة - ترتيب الغضب - ترتيب
السرور - ترتيب الحزن - ترتيب السرعة -
ترتيب الشق - ترتيب الثقب - ترتيب الإبر -
ترتيب الخمار - ترتيب الحامض - ترتيب
السُّكْر - ترتيب المطر - ترتيب
الرعد - ترتيب البرق - ترتيب السيل -
ترتيب الارتفاع - ترتيب الصعود - ترتيب
الزيادة - ترتيب التمام والكمال.
يقول
الدكتور رشاد محمد خليل :
«
يلاحظ
على هذه الظواهر أنها تتبع في طريق
الملاحظة والاستقصاء والرصد والتسجيل
خطوات المنهج العلمي التجريبي الحديث،
ولهذا كما نعتقد دلالة علمية خطيرة لأنها
تضعنا أمام عقلية علمية تجريبية نضجت فيها
إلى حد كبير ملكات عقلية متعددة من قوة
الإدراك وشموله وسعته ومن سعة الخيال
وتنوعه ومن عمق الملاحظة ودقتها ونفاذها
ومن القدرة على الترتيب والتنسيق
والتوصيف والتبويب ».
«
وهذا
الذي يحملنا على أن نلفت النظر إلى أن
العرب هم الذين أحيوا وأسهموا في إرساء
قواعد المنهج العلمي التجريبي والتطبيقي
وذلك ما تناوله علماء ومؤرخون غربيون
بالحديث والدراسة ».
وقال
الأستاذ خير الدين حقي المهندس في كلية
الهندسة بجامعة حلب :
«
لعل
هذا ما دفع ارنست رينان أن يقول : « من أغرب
المدهشات أن تنبت تلك اللغة القوية، وتبلغ
درجة الكمال وسط الصحاري عند أمة من
الرُّحَّل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها
بكثرة مفرداتها، ودقة معانيها وحسن نظام
مبانيها. ولم يعرف لها في كل أطوار حياتها
طفولة ولا شيخوخة، ولا نكاد نعلم من شأنها
إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تبارى،
ولا نعرف شبيها لهذه اللغة التي ظهرت
للباحثين كاملة من غير تدرج، وبقيت حافظة
لكيانها من كل شائبة ».
«
هذه
هي اللغة العربية - يقول الأستاذ السائح -
التي فتحت صدرها لتراث الإنسانية واتسعت
لمقومات الأمة الإسلامية التي شرَّقت
بحضارتها وغرَّبت، واستطاعت
لِمُرونَتِها أن تكون لغة العلم الأولى في
جميع أنحاء الدنيا، فاستقت منها أوربا
ينبوع العلم المتدفق، وكانت لعلماء أوربا
المصدر الغني بالعلوم والفنون من
كيميائية وجيولوجية ورياضية وطبيعية
وفلكية ونباتية وحيوانية وهندسية وطبية
وزراعية وصيدلية وبيطرية وما إليها من
مشتقات العلوم والفنون وقد ضمت معاجم
العربية هذا التراث الضخم من المفردات
وجمعت الألفاظ والمصطلحات في كل عصور
تطورها، ولا يدانيها في ذلك أي لغة من لغات
العالم.»
*
*
*
وأخيرا
بعد كل هذا الذي أوردناه عن مزايا لغة
الضاد لا يسعنا أن نتجاهل سؤالا يفرض
علينا نفسه بإلحاح ولا يسعنا أن نتملص من
الإجابة عليه وهو كيف لم يتيسر حتى الآن
لهذه اللغة التي شهد بعبقريتها وخصائصها
العجيبة المدهشة العرب والعجم والبعيد
والقريب والعدو والحبيب كيف لم يتيسر لها
أن تكون لغة التعليم الجامعي في كل البلاد
العربية ولماذا ما زالت تتعثر في مسايرة
موكب التقدم العلمي وتتخلف في ميدان سباق
اللغات الغربية ؟
لقد
ألممنا بالمشاكل والآفات التي عاقت
التقدم العلمي للغة العربية خلال العصر
الحديث ضمن كتابنا " في التعريب"
الصادر عن مطبعة النجاح الجديدة بالدار
البيضاء ولا يفوتنا مع ذلك أن نقول بصراحة
ما ردده كثير من كبار العلماء المشتغلين
بأمر التعريب إن العائق الأكبر
والآفةالعظمى هي انعدام الإرادة السياسية
عند أولي الأمر أصحاب القرار في مختلف
البلاد .العربية
|