بسم الله/الاستقبال/في التعريب/مقدمة

  تأليف إدريس بن الحسن العلمي

"مقدمة كتاب "في التعريب

بقلم الدكتور أمل العلمي        

     أيها القارئ الكريم،

     إنه ليسعدني أن أضع بين يديك اليوم هذا الكتاب لمؤلفه الأستاذ الشاعر إدريس بن الحسن العلمي حفظه الله ورعاه. وإنه لشرف لي أن يعهد إلي والدي بتقديم مصنفاته وإنتاجه الشعري والأدبي أو اللغوي... وكنت جمعت ونشرت قبل هذا مجموعة دواوينه الشعرية تحت عنوان " نفحات "... واستأذنته حفظه الله في تتبع مقالاته اللغوية أو التعريبية وجمعها من بطون المجلات لا سيما منها ما نشره في مجلة " اللسان العربي" الصادرة عن مكتب تنسيق التعريب في العالم العربي منذ تأسيسه بالرباط سنة 1961...

     وفي واقع الأمر لم يكن في نية والدي تصنيف كتاب في التعريب أو في اللغة... وهذا شأن بعض الكتب مع مؤلفيها... قد تفرضها ظروف أو مناسبات... وهكذا كان هذا الكتاب المعنون " في التعريب " وكذا كتاب آخر لوالدي معنون " في اللغة " يجمع المقالات المنشورة بعد إعادة النظر فيها وترتيبها وإضافة فصول جديدة تستكمل بها وحدة الكتابين. فجاءت متناسقة في مجموعتين لا تخلوان من فائدة للمثقفين عموما والغيورين على لغة الضاد والحاملين لواءها في هذا الجيل والمتطلعين لمستقبل لغة القرآن. وأتمنى لهذا الكتاب القبول الحسن من القراء لأنه رغم كثرة ما نشر حول موضوع التعريب فإن هذا الكتاب يبقى ممتازا بأصالة المضمون وحدَّة النظرة الناقدة.

     ... وإذا كان شعر والدي مرآة لضميره ومصداقا لشاعريته وتوجهه الروحي... فإن أثره اللغوي والأدبي وحدة متماسكة تربطها شخصيته الإسلامية وغيرته على اللغة العربية والعمل لها طوال حياته. وقد تشبعت منذ طفولتي بتلك الروح، ولقنني مبادئ الإسلام - والذود والغيرة على لغة القرآن والعمل من أجل التعريب لما كنت ألحظه فيه من عمل دؤوب في هذا المضمار (فجازاه الله خير الجزاء).

     لذا أغتنم هذه المناسبة لتعريف القارئ الكريم بنشاط والدي في التعريب بصفة عامة قبل أن أعرف بالكتاب.

     بدأ نشاطه في التعريب منذ عهد الحماية الفرنسية المفروضة على المغرب وذلك سنة 1947 إذ شغل وقتها منصب رئيس لمصلحة التعريب التابعة للغرفة التجارية لمدينة الدار البيضاء إلى دجنبر 1952 تاريخ اعتقاله من طرف الادارة الاستعمارية... وبعد خروجه من المعتقل (حيث ذاق أصناف العذاب شأن الوطنيين الذين أوذوا في سبيل الوطن على " عهد الحماية الفرنسية " بالمغرب) طرده (بونيفاس) رئيس الناحية والمراقب المدني بالدار البيضاء مدعيا أنه لطخ بالسجن فاشتغل قيما لمعهد محمد جسوس بالرباط مدة السنتين الدراسيتين 1954 - 1955 و1955 - 1956 ثم بعد إعلان استقلال المغرب التحق في سبتمبر 1956 بالمكتب المغربي للمراقبة والتصدير حيث أسس مصلحة للتعريب، تولى رئاستها...

     أتركه يحكي لنا عن ذلك (كما ورد في مقدمة معجمه "المستدرك في التعريب") : « غداة التوقيع على معاهدة الاستقلال أسس المكتب المغربي للمراقبة والتصدير مصلحة لتعريب جميع ما يصدره من نشرات ونصوص باللغة الفرنسية، ووجدت هذه المصلحة نفسها بحكم اتساع نشاط المكتب وتنوعه وتقنية جانب منه أمام المشكلة العويصة التي تواجه المزاولين الترجمة من إحدى اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية في هذا البلد وفي غيره من البلاد العربية ألا وهي أداء معاني بعض الألفاظ والعبارات المحدثة في اللغات الأجنبية من علمية وتقنية وحضارية بألفاظ وعبارات عربية فصيحة، سائغة الاستعمال يسيرة الفهم، فكان أول ما عمدت إليه في سبيل حل هذه المشكلة هو البحث باستقصاء في جميع معاجم الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية التي أمكنها الحصول عليها فكانت في معظم الأحيان لا تجد لها مقابلا عربيا، وفي بعض الأحيان تجد لفظا فرنسيا واحدا مترجما بعبارة يتعذر استعمالها لكونها مركبة من كلمتين أو ثلاث كلمات فأكثر مثلما في ترجمة camion بعبارة "سيارة شحن" أو "سيارة نقل البضائع" أو "عربة وطيئة لنقل البضائع" وأحيانا أخرى تجد مقابلا عربيا لا ترتاح إليه ولا تطمئن إلى استعماله.

     » وأبت مصلحة التعريب م. م. ت. أن تسلك المسلك السهل مكتفية بما في معاجم الترجمة على علاته، مارة مرور الكرام على ما أغفلته تلك المعاجم من ألفاظ وعبارات، قانعة بما تقدمه إليها زاهدة فيما عداه وهي في أشد الحاجة إليه وتطلعت إلى معرفة ما أحدث من ألفاظ وعبارات وما جد من مصطلحات في ميدان التعريب ببقية البلاد العربية...».

     ففاتح والدي في هذه المعضلة الزعيم علال الفاسي رحمه الله فنصحه بالاتصال بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، الذي كانت الغاية من وجوده العمل على إيجاد المقابلات العربية للمصطلحات العلمية والتقنية والحضارية المحدثة. والذي أنجز تعريب عدد وافر منها. فبادر والدي بمراسلة المجمع المذكور كما حكى ذلك بقوله : « فكتبنا باسم مدير المكتب رسالة إلى رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة في 11 مارس 1959 نلتمس منه تزويد مصلحة التعريب بمجموعة كاملة من أعداد مجلة المجمع وإرشادها إلى المعاجم الفرنسية العربية التي يقرها المجمع في مختلف العلوم والفنون وإلى كل ما من شأنه أن يساعدها على القيام بوظيفتها من كتب ومجلات ونشرات ومراسلات واتصالات وغيرها، وتفضل رئيس المجمع فأهدى إلى مكتبنا الأجزاء السابع والثامن والتاسع من مجلة المجمع مع المجلد الأول من " المعجم الكبير " لكنه لم يرفق مراسلاته بخطاب ولا بيان، وكتبنا إليه مرة أخرى نشكره ونستفسره عن بقية الأجزاء ولكن لم نتوصل بجواب.

     » ثم انتهزنا مقام مبعوث مكتبنا بالقاهرة في مهمة اقتصادية وطلبنا منه أن يقتني لنا من المكتبات كل ما هو جدير بمساعدتنا على تذليل ما يعترضنا من صعاب وأن ييسر لنا الحصول بانتظام على المجلات والنشرات الاقتصادية المصرية على سبيل تبادل النشرات بين مكتبنا والهيآت والمؤسسات الناشرة وحملناه رسالة من مدير المكتب إلى رئيس مجمع اللغة العربية نذكره فيها برسالتنا السالفة ونقدم إلى المجمع قائمة من المصطلحات الفرنسية التقنية الزراعية التي اضطرت مصلحتنا إلى وضع مقابل عربي لها ونلتمس رأي المجمع فيما وضعناه، فوعد رئيس المجمع الدكتور إبراهيم مدكور مبعوثنا إليه بأنه سيحيلها على اللجنة المختصة للنظر فيها عند أول اجتماع تعقده ووعد كذلك المراقب العام للمجمع الدكتور إبراهيم خليل بموافاتنا بكل مؤلف أو محدث في التعريب يهم مكتبنا واستلم مبعوثنا من مضيفيه الكريمين الأجزاء الخامس والسادس والعاشر والحادي عشر من مجلة المجمع مع المجلد الأول من مجموعة المصطلحات العلمية والفنية التي أقرها المجمع.

     » فعمدنا إلى هذه الحصيلة الحافلة وجردنا مصطلحاتها المقابلة بألفاظ فرنسية في جزازات رتبناها ترتيبا ألفبائيا حسب الألفاظ الفرنسية.

     » وفي هذه الحصيلة الضخمة الزاخرة بالمصطلحات الانجليزية والفرنسية المقابلة في شتى العلوم والفنون بألفاظ عربية ما بين أصيلة دقق المجمع مدلولها بمقابلتها باللفظ الأجنبي المحدد المعنى وبَيْنَ محدثة وضعها المجمع لأداء معنى مستجد وجدنا عونا كبيرا على تذليل كثير من الصعاب لكن هذه المجموعة من مصطلحات المجمع رغم ثروتها لا تتضمن المقابل العربي لكثير من المصطلحات والألفاظ الفرنسية التي يتناولها قلمنا بالترجمة، فبقيت إذن مشكلة المصطلحات غير المعربة والمصطلحات المعربة بمقابل غير صالح قائمة في وجه مصلحتنا تضطرها إلى سلوك إحدى الطريقتين : إما أن تستعمل اللفظ الفرنسي كما هو مكتوبا بحروف عربية، وإما أن تضع له مقابلا عربيا باجتهادها، فاختارت سلوك الطريقة الثانية طريقة الاجتهاد في التعريب مع مراعاة قواعد الوضع والاشتقاق التي أقرها مجمع اللغة العربية ».

     ومن نافلة القول أن أبين ما يعرفه رجال التعريب خصوصا في بلادنا أن المصلحة المشار إليها في واقع الأمر لا تعدو والدي وراقناته ؛ فكان يوقع أحيانا مقالاته ومنشوراته التعريبية (بما في ذلك معاجمه) باسمها. وكنت في زمرة من يؤاخذه على ذلك، فلا يرى بأسا في ذلك ويعلل موقفه بابتغاء أجر أكبر من الله سبحانه وتعالى في إنكار الذات والعمل لله.

     وسبق نشاطه في التعريب إنشاء المكتب الدائم لتنسيق التعريب بـخمس سنين، فآزر هذا المكتب وكان له معه نشاط كبير... لا مجال لذكره هنا إلا بكيفية مقتضبة.

     والمتتبع مثلي لخطوات المؤلف التعريبية يجد ضمن مقدمة الطبعة الأولى لمعجمه " الطحانة والخبازة والفرانة " ما نوثره بالذكر على لسانه، وقد كتب ما يستفاد منه خصوصا :

     » إلى الأمين العام للمكتب الدائم لتنسيق التعريب الأستاذ عبد العزيز بنعبد الله يرجع الفضل في قيام مصلحة التعريب م. ت. ت.(*) بإخراج هذه المجموعة الجديدة من المصطلحات التقنية والمهنية فكما عهد إلينا سيادته من قبل بترجمة وتعريب مصطلحات السيارة ومصطلحات الألعاب الرياضية تفضل مرة أخرى فعهد إلينا بقائمة تشتمل على زهاء مائة مصطلح في الطحانة والخبازة والفرانة باللغة الفرنسية كلفنا بالبحث لها عن مقابل عربي صالح فسلكنا في إنجاز هذا العمل الطريقة المعهودة التي شرحناها في مقدمة كتابنا " المستدرك في التعريب " والتي تتلخص في أن نعمد بادئ ذي بدء إلى البحث عن المقابل العربي في معاجم الترجمة من الفرنسية إلى العربية وفي مجموعة المصطلحات التي عربتها مجامع اللغة العربية وغيرها من الهيئات والشخصيات العلمية حتى إذا وجدناه نقلناه وأثبتنا تحته إسم المصدر الذي اقتبسناه منه فإن لم نعثر عليه اجتهدنا في وضع مقابل نقترح على مجامع اللغة إقراره مشيرين تحته إلى إسم مصلحتنا مختصرا بالحروف  التالية : (م. ت. ت.). وأثناء بحثنا في المصادر اكتشفنا كمية وافرة أخرى من مصطلحات الطحانة والخبازة والفرانة عز علينا إهمالها فأضفناها إلى مصطلحات القائمة فصار بذلك مضمون الكتاب 490 مصطلحا. وقد عنينا بإثبات الدلالة التقنية أو المهنية لكل لفظ عربي وضعناه أو اقتبسناه ولم نر فائدة في إيراد المعنى اللغوي إلا للألفاظ العربية التي لم نثبت لها مقابلا أعجميا.

     وبذلك نأمل أن تكون فائدة الكتاب مزدوجة فيفيد منه مع المترجمين والمعربين حتى المشتغلون بصناعة الطحانة أو الخبازة أو الفرانة أو المعنيون بأعمال إحدى هذه المهن على وجه ما.»

     سبق لي أن تعرضت للحديث عن جانب من نشاط والدي في حقل التعريب لما طلبت مني جمعية رباط الفتح تهيئ بحث حول نشاط الأستاذ عبد العزيز بنعبد الله الفكري والثقافي وإبراز جوانب من حياته كما عايشتها أنا وأسرتي بمناسبة ندوة علمية تكريمية للأستاذ انعقدت بتاريخ 23 - 24 جمادى الثانية 1413 الموافق 18 - 19 دجنبر 1992 ؛ وفيما كتبته آنذاك أقتبس ما له صلة بهذا الموضوع :

     » ... تعرفت عليه عن كثب ورافقته بصحبة والدي في عدة رحلات بالمغرب وخارجه. وكانت أسرة والدي ملازمة لأسرة الأستاذ طوال هذه السنوات. فكان نشاط مكتب تنسيق التعريب في العالم العربي يخطط له ويبرمج له لا في أوقات العمل المتواصل بمقر المكتب بالرباط حيث كان يديره أستاذنا منذ تأسيسه فحسب، بل وكذلك ببيت أستاذنا أوقات راحته وأيام العطل أو في بيت والدي. وكنت أحضر معهما اجتماعاتهما المتواصلة التي لا تعرف كللا ولا مللا. وأتابع بشغف حديثهما وربما أتطفل أحيانا فأبدي رأيي حول المواضيع التي تناقش وتطرح. وكان يجري الحديث طوال ساعات من النهار والليل لا ينقطع إلا بحلول أوقات الصلاة أو الذكر. فيشحن الجو الروحاني تلك الجلسات والاجتماعات. وتسمو الأفكار وتقتات من قدسية حلقات الذكر وبركاته.

     فلا عجب أن يتجلى هذا فيسمو بمشاريع وإنجازات والدي والأستاذ عبد العزيز بنعبد الله لتعانق سموهما الروحي والمعنوي، تطل علينا شامخة في عمل جبار معجز عملاق يبهر الجميع ولا يسع المرء إلا أن يطأطئ رأسه إجلالا واحتراما ...

     فهذه مجلة اللسان العربي تشهد على ما أقول. لقد كتب لي أن أشاهد ميلادها وأطوار نموها حتى آلت لما هي عليه من مكانة عالمية، خدمت اللغة العربية في عصر تنكر أبناء الضاد للغتهم وجفت الأقلام وخرست الألسن ورطنت ولحنت أخرى ... ونقدر مجهودهما ومثابرتهما أكثر إذا علمنا أن كل عدد من أعداد المجلة والتي ناهزت الثلاثين آنذاك، كان يمثل لوحده مجلدات ضخمة...»

     ومن الانصاف هنا لوالدي ونحن بصدد الحديث في موضوع مجلة اللسان العربي أن أذكر دوره الرائد في تبني مشروع المجلة بل باقتراحها واقتراح عنوانها ومجانيتها وتدوين وصياغة مشروعها. فحرر وقتها مشروعا أبى إلا أن يصحبه في زيارة خاصة لقبر جده رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله أن يبارك الله في " مجلة اللسان العربي " وهي ما تزال في المهد مشروعا... وتولى شؤون طبع المشروع وحرر بعد ذلك المذكرة التي أرفقها معه، وقام بتوزيعها آنذك مكتب تنسيق التعريب. فأرسلت على الخصوص إلى مختلف الهيآت والمجامع المعنية بالأمر.

     ومما يجدر ذكره أن أول عمل قام به " المكتب الدائم لتنسيق التعريب بالعالم العربي " في مجال تعريب المصطلحات هو توزيعه على المجامع اللغوية، والمؤسسات التعريبية، والأساتذة الجامعيين، في كل الأقطار العربية أربعة معاجم قام بتأليفها والدي وطبعها باسم مصلحة التعريب التابعة لمكتب التسويق والتصدير بالدار البيضاء التي كان يرأسها آنذاك، وهي كما يلي :

    1) معجم مصطلحات الرياضة البدنية بالفرنسية والإنجليزية والعربية.

    2) معجم مصطلحات السيارة بالفرنسية والإنجليزية والعربية.

    3) معجم الطحانة والفرانة والخبازة بالفرنسية والعربية.

    4) كتاب " المستدرك في التعريب " وهو معجم بالفرنسية والعربية مع شرح المصطلحات المقترحة والاحتجاج لها لغويا.

     وكان اهتمام المجامع والمجالس العليا للعلوم بهذه المعاجم الأربعة، وإرسالها إلى المكتب الدائم تقارير تتضمن تنويهات بشأنها، أول حافز للمكتب الدائم لبذل نشاط كبير لم يتوقف حتى الآن وتجلى في تحقيقه أعمالاً ومشاريع جليلة.

     ولم يقصر والدي نشاطه في التعريب على المصلحة الآنفة الذكر أو على تعاونه مع المكتب الدائم لتنسيق التعريب أو المركز الوطني للتعريب بل عهد إليه كذلك بالاشراف على مصلحة التعريب التابعة لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بالدارالبيضاء فقام بتلك المهمة أحسن قيام مما حدا بإدارة الجمارك أن ترشحه للاضطلاع بترجمة الاتفاقية المبرمة ما بين المغرب ومنظمة السوق الأوربية المشتركة فأنجز في مقر هذه المنظمة ببروكسيل ترجمة الاتفاقية المذكورة بالتعاون مع الأستاذ محمد الخطابي عضو أكاديمية الممكلة المغربية. ثم أنجز " معجم الجمارك " وقام بترجمة مذكرات إدارة الجمارك وقوانينها على الخصوص على غرار ما قام به من قبل فيما يخص مكتب التسويق والتصدير من تأليف " معجم مهني " لأعوان وموظفي المكتب وتعريب وترجمة نشراته.

     وتوقف نشاطه الإداري سنة 1984 بسبب إحالته على المعاش. وحز في نفسه أن يتوقف نشاط مصلحة التعريب التي كان يسيرها بسبب إحالته على التقاعد. وذكر ذلك في فصل من هذا الكتاب، وعاش فترة نفسية عصيبة من جراء ذلك استطاع تخطيها بإيمانه وتابع مع ذلك نشاطه في التعريب بما كان وما يزال (حفظه الله) يمد به من آونة لأخرى مجلة " اللسان العربي " من مقالات.

     وفي تلك الفترة العصيبة اقترحت عليه أن يفيدني من تجربته وخبرته في ميدان التعريب ويخط لي نهجا في تعريب الطب يكون لي منارا ومدخلا لهذا الميدان فألف كتابا تحت عنوان " مدخل لتعريب الطب " أراده مرشدا لكل طبيب غيور على اللغة العربية يريد أن يضطلع برسالة تعريب الطب في هذا القرن. ففاق حجم الكتاب أربع مائة صفحة مرقونة من الحجم الكبير. مما جعلني أقترح عليه أن يفصل الفصول العامة المتعلقة بالتعريب واللغة عموما ويدرجها ضمن هذا الكتاب الذي بين يديك والكتاب الآخر في اللغة. على أن مادة الكتب الثلاث تتكامل في مضمونها. وجاءت مادة هذا الكتاب مقسمة إلى قسمين :

- القسم الأول " تقنية عمل التعريب " : يعالج على الخصوص مفهوم التعريب. ثم آفاته إذا تعلق الأمر بجهل أو تقصير ممن يقوم به أو التباس في المصطلحات من حيث الاشتراك أو الاختلاف ثم تناول في مجموعة من مقالات بعض مزالق التعريب مثل الترجمة الحرفية العمياء أو التنبيه لبعض الالتباسات والخلط الذي قد يحدث في تعريب مفاهيم متباينة معنى ومتقاربة اصطلاحا قبل أن يعرض لتصحيح الأغلاط الشائعة في الترجمة والتعريب (*).

وبعد ذلك تناول القسم الأول بالدراسة أهم معاجم والدي التعريبية مثل معجم " المستدرك في التعريب " ومعجم " الطحانة والخبازة والفرانة " وغيرهما : مع تعريف ثم تقرير حولها (من طرف هيئات لغوية بارزة) مردفين بتعقيب.

- القسم الثاني : " مسيرة التعريب " : يدرس حركات التعريب وبيئاته مع ذكر نشاط التعريب على الخصوص في سورية ومصر والعراق.

وفي نهاية البحث تناول هيآت التعريب في عدة فصول معرفا بالمجامع اللغوية العلمية والاتحادات العلمية عبر البلاد العربية ونشاطها. قبل أن يختم كل ذلك بنشاط المكتب الدائم لتنسيق التعريب في الوطن العربي والتعريف بمؤسسات تعريبية وطنية متخصصة مثل معهد الدراسات والأبحاث للتعريب ومصلحة التعريب التابعة للمكتب المغربي للمراقبة والتصدير (التي سهر والدي على رئاستها كما سبق ذكره مدة 28 سنة) وما قامت به من نشاط وخدمة للغة الضاد.

     ويتجلى من الاطلاع على فحوى هذا الكتاب أن التعريب يشكل مادة خاصة به، لا يمكن خلطها بالترجمة، وتنماز عنها بخصوصيات منها علم وضع المصطلحات وفق ضوابط وقواعد لا يعرفها حق معرفتها إلا الممارس لها ولفن التعريب والترجمة من حيث علاقتهما وامتداد الثاني من الأول، وذلك باللجوء مثلا إلى الاشتقاق والنحت واستعمال الصيغ لإيجاد المقابل المناسب للمصطلحات أو وضع مقابل لها، ثم السعي في توحيدها وتعميم استعمالها والعمل على نشرها بكل الوسائل المتاحة من وسائل سمعية بصرية وغيرها.

     فحبذا لو دُرِّس هذا العلم "علم التعريب " (بعد جمع مادته) في معاهد اللغة والترجمة مثلما تُدرس مادة الترجمة ...

     وفي الختام أسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذا الكتاب كل من يهمه أمر اللغة العربية والتعريب من طلبة وأساتذة وخبراء وباحثين... آمين والحمد لله رب العالمين.

    فاس، في 5 ذو الحجة 1414 هـ / الـموافـق لـ 16 مـاي 1994.               

الدكتور أمل العلمي

 

   (*)  م. ت. ت. : اختزال لـ "مكتب التسويق والتصدير" الذي تنتمي إليه مصلحة التعريب التي كان يرأسها والدي.

  (*)  نشر في مجلة اللسان العربي ح 2 رمضان 1384 يناير 1965

 



 


صفحة الاستقبال
ماهية الموقع

ترجمة صاحب الموقع
مؤلفات
اللغة العربية
أخطاء لغوية شائعة
التعريب
الاصطلاح
دواوين شعرية
الأصيل
المكتبة الالكترونية
مواقع مختارة
تقاريظ

 

 

 

 

 
  alami@alfosha.net