ألقيت هذه القصيدة في حفلة التأبين المقامة بفاس يوم 10 نونبر 1949 بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاة فقيد الوطنية والشباب الأستاذ الحسن ابن شقرون الذي كان أول متخرج مغربي حامل لشهادة مهندس فلاحي وكان رحمه الله شعلة من الذكاء والنشاط والتضحية في سبيل البلاد وقد توفي في حادثة سيارة.
أَتْــرِعِ الـكَــأْسَ بِالـدُّمُــوعِ وَ هَــاتِ جَــرَعَــاتٍ لِـنَــقْــعِ حَــرِّ اللَّــهَــاةِ
إِنْ تَـكُـنْ غَـيْـرَ ذَاتِ جَـدْوَى فَـمَــا لِي حِـيـلَــةٌ لِـلْـأَسَـى سِـوَى الْعَـبَـرَاتِ
لَـهَـبٌ يَـلْــفَــحُ الـفُــؤَادَ وَ يُـــذْكِــــي فِـي الـحَـنَـايَــا مُسَـعَّـرَ الجَـمَـرَاتِ
وَ صُـرَاخٌ تَـرْتَـجُّ مِــنْـهُ ضُـلُـــوعِي كَــارْتِـجَـاجِ الـبُـنْـيَـانِ لِـلْـقَـصَـفَـاتِ
وَ عَـوِيـــلٌ مُـكَهْــرَبٌ فِـي دِمَـــائِــي رَجْــفَـــةٌ مُسْــتَـدِيـمَـةُ الـخَـفَـــقَـاتِ
زَعْــزَعٌ عـاصِـفٌ بِـصَـــدْرِيَ جَـيَّــا شٌ بِـسُـحْـبِ الـعَـوَاطِـفِ الـقَـاتِـمَـاتِ
نَـكْـبَـةٌ أَرْهَــقَـتْ شُعُـــورِي وَ أَوْدَتْ بِـاصْـطِــبَـارِي وَ أَنْـفَـدَتْ قَـطَــــرَاتِي
نَـكْـبَـةٌ بَـلْـبَـلَـتْ حِـجَـايَ وَ أَضْـنَـــتْ مُـهْـجَـتِـي بِـالخَـوَاطِــرِ المُـظْـلِمَـاتِ
نَـكْـبَـةٌ قَـوَّضَـتْ مِـنَ الصَّـرْحِ رُكْــنــاً شَـامِخــاً مُـحْـكَـمـاً عـَـزِيـزَ الـبُـنَـاةِ
أَقْـحَـلَتْ فِي دُنْـيَـا الأَمَانِي مُرُوجــاً وَ أَغَـارَتْ نَــبْـعـاً غَــزِيــرَ الـفُـرَاتِ
فَـخَـبَـا لِـلْــحَـقِّ الـصُّــرَاحِ شُـعَـــاعٌ وَ هَــوَى أَسْـطَـعُ الـنُّجُـومِ الهُـدَاةِ
نَـكْـبَــةٌ أَ ثْـكَـلَــتْ بِــلاَدِيَ شَـهْــمــاً كَـانَ مِـنْ صَـفْــوَةِ الـبَـنِـيـنَ الحُمَــاةِ
الْـهُـمَـامَ الْأَبـِيَّ مَــنْ كَـانَ يُـبْــلِــي فِــي دِفَـاعِ الضَّـيْـمِ المُشِـيعِ الـشَّـكَـاةِ
وَ الـزَّعِـيـمَ الَّــذِي تَـوَغَّـلَ فِي الـسَّـيْـــــــرِ مُـحِــثّـاً خُـطـَى رَعِـيلِ الــدُّعَـاةِ
وَ الـنَّـبِـيـغَ الَّـذِي تَـبَـحَّــرَ فِـي الْـعِـــلْـــــــمِ وَ دَانَــتْ لَـــهُ عُــلَـى الـدَّرَجَــاتِ
وَ الـتَّـقِـيَّ الـذِي إِذَا جَـــدَّ إِغْــــرَا ءُ الـصِّـبَـا وَ اللَّهْـوِ احـْـتَـمَى بِالصَّلاَةِ
وَ الـذَّكِــيَّ الَّــذِي إِذَا سَــــدَّدَ النَّــظْـــــــرَةَ خِـيـلَـتْ تَـغَـلْــغَـلَـتْ فِي الـطَّـيَّـاتِ
وَ أَخَـا الْـعَــزْمِ وَ الْمَضَاءِ الـذِي لَـــمْ يَـــتَـجَــــرَّعْ مَــــرَارَةَ الـهَـــزَمَــاتِ
لَـيْـتَ شِعْــرِي بِـأَيِّ شَيْءٍ رَمَى الْـمَـوْ تُ لإِطْــفَـــاءِ أَضْــــرَمِ الـشُّـعُــلاَتِ
أَتُــــرَاهُ تَــجَــمَّـعَــتْ فِـــي يَــدَيْــــهِ أَبْـحُــرُ الْـكَــوْنِ أَمْ ذُرَى الـثَّـلِجَــاتِ
أَمْ رِمَالُ الصَّحْـرَاءِ سِيـقَـتْ فَصُــبَّـــتْ كَــالْــقَــضَــاءِ الْـمُــقَــدَّرِ الـنَّــزَلاَتِ
هَــلْ دَرَى المَـوْتُ أَنَّهُ اسْتَـأْثَــرَ الـيَــوْ مَ بِـــرُوحٍ عُـلْــوِيَّـــةِ الــنَّسَـمَـاتِ
طَـالَـمَـا عـَطَّـرَ الـنُّـفُــوسَ شَـذَاهَـــا وَ صَــبَـاهـَـا بِــأَطْــيَــبِ الـنَّـفَـحَــاتِ
وَ انْـتَضَى مِنْ أَوْطـَانِـنَا خِـدْنَهـَا السَّــا مِـي بِـجَــأْشٍ مُـجَـنَّــحِ العَـزَمَـاتِ
أَيُّـهَـــا الـمَـوْتُ اتَّــئِــدْ فَـلَـقَـــدْ بَــــا لَـغْـتَ فِي سَـيْـرِكَ الحَـثِـيثِ العَـاتِي
أَيَّ ذَنْـبٍ جَـنَــتْ بِـلاَدِي لِـتَــشْـــقَـــى كُــلَّ شَـهْــرٍ بِـنَـعْـيِ حَــرِّ الـنَّــوَاةِ
هَـلْ مِــنَ الـعَــارِ أَنْ تُـدَافِــعَ عُـــدْوَا نــاً وَ رِقّــاً يَـعِــيــثُ بِـالْـحُـرُمَـاتِ
فَـمِــنَ الـغَــبْـــنِ احْـتِـضَـــارُ الأُبَـــــاةِ حِـيـنَ عَـيْـشِ الخَـنَـا الجُـنَاةِ الطُّغَـاةِ
لَسْــتَ تَــدْرِي فَـلَسْـتَ غَـيْـرَ رَسُــــولٍ لِـلْــقَــضَـاءِ مُـعَــصَّـبِ الــنَّــظَـرَاتِ
ذَاكَ أَمـــــرُ الإِلاَهِ رَبِّــــي الــــــذِي لاَ شَــأْوَهُ أَدْرَكَ الحِـجَـا وَ لاَ الآيَـــاتِ
*
* *
لُــغَــةُ الـشِّـعْــرِ وَالـدُّمـُـوعِ تَـعَـايَـتْ عَـــنْ أَدَاءِ الـعَـمِـيــقِ مِــنْ حَسَـرَاتِي
يَـا نَـزِيــلَ الجِـنَـانِ هـَاتِ مِـنَ الـخُــلْـــــــدِ أَدَاةً قُـــدْسِـــيَّــــةَ الـكَــلِــمَـــــــاتِ
مُـعْجِـزٌ بَـرْحُـنَـا لِـفَــقْـدِكَ لَنْ تُـحْــسِـــــــنَ تِــبْــيَـانَــهُ سِــوَى الـمُـعْـجِـــزَاتِ
قَـــدْ أَقَــمْــنَــا فِـي كُـــلِّ ذَرَّةِ قَـــلْـــبٍ مَــأْتَـمــاً صَــاخِـبـــاً قَـلِــيــلَ الأَنَــاةِ
وَ قَـبِـيــحٌ بِــنَـا وَ إِنْ عَـظُـمَ الــخَــطْـــــــبُ بَــقَـــاءُ الْأَرْوَاحِ مُـنْــفَـــطِـــرَاتِ
صِـفْ لَنَـا لِلْـعَـزَاءِ نُعْـمَــاكَ فِي بَـحْـبُـــــــوحـَــةِ الـخُـلْــدِ وَ اجْــتِــلاَءِ الحَــيَــاةِ
مَــا تَــفَـيَّــأْتـَـهُ الـغَـــدَاةَ وَ مـَــا قَـــــدْ نِــلْــتَــهُ مِـــنْ سَــوَابِـغِ الــرَّحَــمَـاتِ
طِـيــبُ ذِكـْـرَاكَ تَـيَّـمَ الــغِــيــدَ قِــدْمـاً وَ اسْـتَـبَــاهُــنَّ وَافِـــرُ الـحَــسَـنَــاتِ
هِـجْـنَ لَـمَّـا رَأَيـْـنَ خـَلْـفَـكَ شَــعْــبـــاً خـَاشِـعـاً مُـطْـرِقــاً رَهِـيـبَ الصُّـمَـاتِ
وَ الـرُّفَــاتَ الـجَـلِـيـلَ خَــفَّــتْ لَــهُ أَيْـــــــــدٍ مِــنَ الـطُّـهْــــرِ لَمْ تَـسِـرْ بِـرُفَــاتِ
وَ رِكَـابَ الـضِّـيَـاءِ طَــافَ حَــوَالَــيْــــــــكَ مُــشِــيـــداً بِـأَمْـجَـــدِ الصَّـفَحَــاتِ
فَـكَسَـوْنَ العِـظـَامَ زَهْــراً وَ عِــطْــراً وَ مَــــلَأْنَ الـجَــنَــانَ بِــالـدَّعـَــــوَاتِ
|