في إحدى غابات ايفران يتدفق شلال جميل أطلق عليه الأجانب اسم "شلال العذارى" ترددت عليه كثيرا لأتملى روعته وأستمتع بخريره فاستطاع أن ينتزعني من قيود المادة التي كانت ترهقني وأن يفسح لي المجال للسمو إلى سماء الخيال والأحلام حينما كان الصراع السياسي التحريري على أشده بين الحركة الوطنية والسلطات الاستعمارية.
نشرت هذه القصيدة في مجلة "رسالة المغرب" عدد أكتوبر 1952 ونشرت في الجزء الثالث من كتاب "المطالعة الجديدة "المقرر للسنة الثالثة الثانوية تأليف الأساتذة عبد السلام ياسين وجعفر الفاسي ومحمد الكتاني.
نَـشِـيـدُكَ أَفْـعَـمَـنِــي بِــالْـــــجَــــــذَلْ وَ أَسْــكَـرَنِـي بِــرَحِـــيــــقِ الْـأَمَـــــلْ
غِــــنَـــاءٌ ثَــمِــلْــــتُ بِــأَنْـغَــامِــــــهِ وَ مَـا كُــنْــتُ أَعـْــرِفُ طَــعْــمَ الـثَّـمَـلْ
هُــوَ الْـحُـبُّ مَـنْـبَــــعُ إِلْـهَـــامِـــــهِ وَ لَـكِــنْ سَـمَا عَـنْ مَعَـانِي الْغَــزَلْ
نَـــشِـــيــــدٌ تَـــقَــــدَّسَ تَــرْتِــيــلُــــهُ وَ أَكْــبَــرَهُ الْــفِــكْــــرُ لَـمَّــا عَـقَــــلْ
وَ بَــارَكَـــــهُ اللَّـــهُ مُـــنْـــذُ الْأَزَلْ
تَـغَـنَّـى بِـحُــبِّ عَــوَالِــي الْــقُـــــنَــــنْ وَ مـَـا نَــامَ فِــي حِـضْـنِـهَـا مِـنْ فِــتَـنْ
فَـمَـا اتَّـشَـحَـتْ بِـهِ مِــنْ شَـــجَـــرٍ وَ مَـا انْـسَـابَ مِنْ مَائِهَــا أَوْ سَكَـــنْ
وَ أَوْدَائِـهَــــا وَ مَــغَـــــارَاتِـــــهَــــــا وَ أَدْغَـــالِـهَــــا آسِــــرَاتِ الـــزَّمَـــنْ
غَـرَامِـي غَــرَامُـكَ يَـا مُـنْــشِــــدِي كِــــلَانَــا تَـعَـشَّـقَ أَرْضَ الْـــوَطَـــنْ
وَ هَــامَ بِـأَسْـرَارِهـَـــا وَ افْـتَــــتَـــنْ
تُـشِـيـدُ بِـمَجْــدٍ مَـضَـى وَ ارْتَـحَـــلْ وَ عَـيْـشٍ رَغِــيـدٍ قَـضَى وَ اضْمَحَـــلّْ
تَـــحِـــنُّ إِلَـــى زَمَــنٍ كُــنْــتَ فِـــيــــــــهِ إِكْـلِـيـلَ شِـيـــبٍ بِـــرَأْسِ الْجَـبَــــلْ
تُـغَـازِلُ فِـيـهِ حِـسَـــانَ الــنُّـــجُـــــو (م) مِ وَ تَـرْنُـو إِلَـى بَـسَمَـاتِ الْـمُــقَــلْ
وَ كُـلُّـكَ شَــوْقٌ إِلَـى ضَــمِّـــهَـــــــا تَــذُوبُ حَــنِـيـنــاً لِــنَـيْــــلِ الْــقُــبَــلْ
هَــمَـمْــتَ... وَ لَـكِــنْ ثَـنَــاكَ الْخَـجَــلْ
وَ كُـنْـتَ تُـشَـارِفُ فِــيــهِ الْــحَــــرَمْ عَـــذَارَى الـدِّغـَالِ وَ حُـورَ الْأَجَـــمْ
وَقَـــفْـــــنَ حِـيَـــالَــكَ فِـــي رَوْعَــةٍ وَ فِـــي صَـبْـوَةٍ تَــتَـحَــدَّى السَّــــأَمْ
وَ أَنْــتَ عَـزِيـــزٌ وَ فِــي عِــصْـمَـةٍ مِــنَ الضَّـيْــمِ تَـقْـصُـرُ عَـنْــكَ الْهِـمَــمْ
عَــلاَمَ نُــزُولُــكَ هَــذِي الـسُّـهُـــولَ وَ فِـيـمَ فِــرَاقُـــــكَ تِـلْــكَ الْقِــمَــــمْ
وَ قَـدْ سَـلِـمَـتْ مِـنْ دَوَاعِــي الْأَلَـــمْ ؟
فَـهَـلْ أَنْـتَ لَـبَّـيْـتَ صَـوْتَ السَّمَــا مُـهِــيـبـاً بِـنَـــا لِــفِـــدَاءِ الْحِـمَــى ؟
أَ لِـلــذَّوْدِ عَــنْ أَرْزَةٍ ضَـــامَــهَـــــا دَخِــيـــلٌ وَ أَوْرَثـَــهَـــا الــسَّــقَــمَــــا
نَــزَلْــتَ تُــنَــافِـــحُ مُــسْـتَـبْـــسِــــلاً وَ سِـلْـتَ لِــتَـكْـفِــيَـهَــا الْــجَــشَـمَــــا
فَــحَــطَّــمْـتَ آلَـــةَ تَــعْــذِيــبِــهَــــــا وَ أَوْرَدْتَ سَــائِـــمَــهَـــا الْــعَـــدَمَــــا
وَ صُـنْـتَ الْـحِـمَى بِـزَكِـيِّ الـــدِّمَا ؟
بِـرَبِّـــكَ حَــدِّثْ حَـدِيــثَ الـظَّـــفَــــرْ فَـلِـي شَـغَـــفٌ بِـمَـجِــيــدِ السِّــيَــــرْ
وَ صِـفْ كَـيْـفَ ثُرْتَ عَـلَى غَـاشِــمٍ أَهـَـــانَ الْحِـمَـى وَ أَشـَــاعَ الْحَــذَرْ
تُـرَافِــــقُ خَــطْـوَتَـــــهُ فَــتْـــكَــــــــةٌ وَ يَـصْـحَـبُــهُ الـشُّـــؤْمُ أَنَّى خَـطَــرْ
فَـمَـثَّـلْـتَ أَدْوَارَ مَــلْـــحَـــمَـــــــــــــةٍ تَــوَاتَـــرَ تَـمْـثِـيـلُـهَا فِـي الْـبَـشَـــرْ
وَ كَـمْ وَعـَتْ قِـصَّــتُهَـا مِـنْ عِـبَرْ !
رَأتْـهَــا الْـخَـلِـيـقَــةُ فِـيـمَـا غـَـبَــــرْ وَ مَــا فَــتِــئَـــتْ أَبَـــداً تُـبْــتَــكَــــرْ
عَــلَـى مَـسْـرَحِ الْـكَـوْنِ أَحْدَاثُهـَـــا تَـعَــاقَـبُ (*) مُـشْـتَـبِـهَـاتِ الـصُّـــوَرْ
بُــطـُــولَــتُـهَــا مَــنْـبَـــعٌ زَا خِــــــــرٌ بِـوَحْـيِ الْـفُـنُـونِ الْعَـجِـيــبِ الْـأَثَــرْ
مَـــــلَأْتُ دِنَــــانِــيَ مِــنْ فـَـيْـــضِـــهِ فَــأَصْـبَـحْــتُ فـِي نَـشْـوَةٍ وَ سَـكَــرْ
أُغَـنِّـي بِـلَـحْـنِ الْـفِــدَى وَ الْـفَــخَـرْ
فَـــمَـــا لِــــي أُلاَمُ بِــأَلْــحــانِــيَـــــــهْ وَ ذِكْـــــرِ غَـــــرَامـِي بِــأَوْطَـانِـيَــــهْ ؟
أُرَادُ عَــــلَــــى حـُـبِّ مـَـغْــــــــرُورَةٍ أُجَـــــنُّ بِــهَـــا مِـــــلْءَ أَشـْـعَــــارِيَـهْ !
فَـمَـا الْــفَــنُّ رَهْــــنٌ بِـمَعْــشُــوقَـــةٍ وَ لاَ الـشـِّـعْــرُ وَقْـــفٌ عَــلَى غَـانِـيَــهْ
وَ هَـلْ يَـتَـشَـبَّـبُ مَـنْ فِي الْـقُـيُـــــودِ بِـغَــيْـــرِ سَـعَـــادَتِــهِ الْــــمَـاضِـــيَـــــهْ
وَ حُـــــرِّيــــةٍ أَصْـبَـحَــتْ نَــائِــيَــــهْ
الشرح :
(*) تتعاقب.
|